في عام 1970، قدّم وارهول عمله «سلسلة الزهور»، التي تعدّ خروجًا عن موضوعاته المعتادة المتمثلة في ثقافة المستهلك وشخصيات المشاهير. تقدم هذه المجموعة موضوعًا جاذبًا على نطاق عالمي، معبرًا عن الحيوية، والبساطة، والجمال. استُلهمت "سلسلة الزهور" من صورة لأزهار الهيبسكس (الكركديه) وجدها وارهول في عددٍ من مجلة «التصوير العصري» عام 1964. باستخدام تقنياته المميزة للطباعة الحريرية، قام بالتلاعب في الألوان ليخلق أزهارًا زاهية الألوان على خلفيات متباينة.
قد يستعجب من يرى هذه المجموعة أول مرة من مدى تأثيرها وأهميتها رغم بساطتها، ولكن للزهور معان عديدة في سياقها التاريخي والثقافي، فإن الستينيات والسبعينيات كانتا فترتين مختلفتين في تاريخ الولايات المتحدة، صارت فيها الزهور رمزًا محملًا بالمعاني والإسقاطات. فقد انطلقت حركة فلاور باور (قوة الزهور) في هذا الوقت، وهي حركة تناهض الحرب (بالأخص حرب فييتنام) وترفض سياسة التدخل العسكري الأمريكية إبان الحرب الباردة. فانتشر ت في البلاد آنذاك أنماط الزهور على اللوحات والأقمشة واللافتات، في معارضةٍ صريحةٍ للسياسة الأمريكية. يمكن مقارنة ذلك برمز البطيخة عندنا على سبيل المثال.
ومن المفارقة أن فنانًا كهذا، بنى أسلوبه على العناصر الاستهلاكية من الحياة المعاصرة، وأشهر أعماله إعلان حساء معلب (حساء كامبيل)، كان ضحية دعوى رفعتها عليه المجلة التي أخذ منها صور الزهور بسبب الملكية الفكرية وحقوق الطبع والنشر. فكان العمل الفني الوحيد المعبر عن الطبيعة في مرمى مؤسسة اجتماعية من صنع الإنسان مثل القضاء، في حين أن غيرها من الأعمال التي تعبر عن مؤسسات وأفكار ومنتجات لا وجود لها إلا في السياق الإنساني الحديث،لم تلق شيئًا من هذا.
بعد فترة وجيزة من بدء العمل في سلسلة الزهور، قرر وارهول أن يكون هذا محور عرضه الأول في معرض ليو كاستيلي في خريف عام 1964، أي بعد شهور من مقتل الرئيس الأمريكي جون كينيدي، كأن الزهور عُرضت حدادًا على الرئيس الراحل. تضيف سلسلة الزهور الى قائمة أعمال وارهول مكونًا جديدًا وجذابًا من الطبيعة، ولا تزال لها تأثير كبير على أجيال مُتَعَاقِبة من الفنانين. ومازالت هذه السلسلة محتفظة بجمالها وبساطتها وابتكارات وارهول، مما يجعلها محصلة فنية مرموقة تُحتَفَى بها حتى اليوم.
تعتبر «سلسلة الزهور» اليوم من أكثر سلاسله شهرةً في المزادات، وتحقق أسعارًا تقدر بملايين الدولارات؛ إذ بِيع أغلى إصدار من الزهور مقابل 15.8 مليون دولار في كريستيز في عام 2022. تبقى هذه السلسلة ذات تأثير بالغ على الأجيال القادمة من الفنانين وتستمر في الحصول على الاحترام والتقدير بسبب الجمال والبساطة المبتكرة في تصويرها.