الفن والإعاقة كلاهما قديم قدم الإنسان على الأرض؛ فلما كان الفنان يعبر عما يراه وما يعيشه وما يشعر به، كان للإعاقة نصيب كبير في الفن، إما بتصويرها كما هي، أو بتسليط الضوء على تجربة المرور بها، أو بوصفها أداة مجازية للتعبير عن فكرة أو شعور ما.
في هذا السرد نعرض بعض القطع الفنية التي أظهرت الإعاقة في سياقات مختلفة
فريدا كاهلو – بورتريه شخصي مع د. خوان فاريل (1951)
من أشهر الفناين الذين كانت إعاقتهم جزءًا لا يتجزؤ من فنهم فريدا كاهلو، إذ كانت قعيدةً ترسم في فراشها أو على كرسيها المتحرك. وقد عبرت عن ذلك في لوحات كثيرة أبرزها "بلا أمل" (1945) التي جسدت فيها تجربة الرسم مع إعاقتها في وحالتها النفسية الشخصية؛ إضافةً إلى حالة اليأس العالمية في نهاية الحرب العالمية الثانية. غير أن فريدا كاهلو، بأسلوبها السيريالي، عبرت عن تلك الإعاقة بأن جعلتها تشمل جسدها كله، فصار الفن يخرج منها مباشرة كالروح، وحتى حدود اللوحة ألغتها فصارت اللوحة حية مليئة بالعناصر التي تشبه الكابوس في كآبتها. في حين تلقى هي على السرير عاجزةً عن الحركة.
فريدا كاهلو – بلا أمل (1945)
سينيب وامرأته - 2520 ق.م. مصر القديمة
عبرت كثير من الحضارات القديمة عن الإعاقة بدرجة كبيرة من الواقعية. من أمثلة ذلك (سينيب) الذي كان من سادة قومه وأثرى الأثرياء آنذاك، عبر الفنان المصري القديم عنه وعن تقزمه بواقعية واضحة. كما نرى ذلك في حضارات أمريكا اللاتينية مثل حضارة الإنكا والموشي؛ إذ نجد كثيرًا من التماثيل تظهر أشخاصًا بأيادٍ أو أقدامٍ مبتورة وأخرى صناعية، مثل هذا التمثال من حضارة موشي.
تمثال لرجل مبتور القدم من حضارة الموتشي – بيرو (700 إلى 100 ق.م.)
من أشهر الأعمال التي تجسد الإعاقة في الفن لوحتا "الشحاذون" و"الأعمى دليل الأعمى" للفنان البلجيكي بيتر بروغل الأكبر. ونرى فيهما اختلاف كبير عن رؤية الحضارات القديمة للإعاقة، فهي توحي بالعجز أكثر من وصفها حالةً جسدية مختلفة.
الشحاذون – بيتر بروغل الأكبر (1568)
الأعمى دليل الأعمى – بيتر بروغل الأكبر (1568)
تغيرت هذه النظرة في الفن الذي يصنعه ذوو الإعاقة بأنفسهم. فنرجع إلى الواقعية التي تصف الإعاقة كما هي دون أن تصبغ بشيء من الشفقة أو التعبير عن العجز، من أهم الأعمال التي تعبر عن ذلك من فنان معاصر لبيتر بروغل، لوحة (هندريك غولتسيوس) التي رسمها ليده اليمنى التي كان بها إعاقة نتيجة حادثة أصيب بها في صباه. والتي كان يرى أنها نعمة، لأنها أجبرته على استخدام عضلات ذراعه في الرسم عوضًا عن أصابعه ويده وحدهما، فمكنته من إتقان استخدام الفرشاة والقلم.
يد غولتسيوس اليمنى – هندريك غولتسيوس (1588)
من أشهر الفنانين الذين أظهروا إعاقتهم في فنهم الفنان الفرنسي أونري دو تولوز لوتريك، وقد بين ذلك في أكثر من عمل. من بين تلك الأعمال البورتريه الذاتي الذي رسمه عام 1882 حيث تظهر تحرى أن يبرز قصر قامته في نسبة حجم الرأس للجسد في هذا العمل ، وفي ذلك إبراز كبير لاختلاف نظرة صاحب الإعاقة لنفسه عن نظرة غيره إليه في الفن. كما أبرز ذلك في بورتريه آخر كاريكاتوري رسمه في العام ذاته.
بورتريه ذاتي في المرآة – لوتريك (1882)
بورتريه ذاتي – لوتريك (1882)