سرقة الفن الصيني

single

 

ستوكهولم 2010، تحترق السيارات في أحد الشوارع دون سبب واضح، وأثناء انشغال الشرطة بالتحقيق في الحادثة، يكون السرادق الملكي بقصر بدروتنغهام قد سرق، وهرب السارقون دون أثر في ست دقائق.

في هذا السرد نعرض القصة الغامضة للسطو الصيني الأكبر على القطع الفنية الأثرية بمتاحف أوروبا.

 

 

لم تكن حرائق السيارات في الجهة الأخرى من المدينة إلا مكيدة من تدبير السارقين لتشتيت انتباه الشرطة السويدية بينما يسرقون قطعًا فنيةً تقدر بالملايين: أوانٍ فخارية، وتماثيل، وكؤوس، وأباريق لا تقدر بثمن. واتضح فيما بعد أنهم بعد أن أتموا السرقة، ركب كل منهم على دراجة نارية، حاملين القطع الأثرية، وساروا بأقصى سرعة حتى بلغوا بحيرة حيث انتظرتهم زلاجات مائية، قادوها واختفوا في ظلام الليل. أخذت السرقة ست دقائق، ولم يُسرق من الجناح أي شيء إلا القطع الأثرية الصينية، رغم وجود ما هو أعلى قيمة منها. ولكن لم يكن أحد ليتوقع أن سرقة الدروتنغهام لم يكن إلا البداية  

بعد ذلك بخمسة شهور، تكرر نفس الحدث بحذافيره بمتحف بيرغن. حرائق سيارات، مقنعين على دراجات نارية، سرقة سريعة للتحف الصينية وحدها، وفرار على زلاجة مائية في ستار الليل. ثم تكرر بعد ذلك بعامين، بالتحديد في عام 2012، في متحف جامعة دورهام ببريطانيا. وفي الشهر ذاته في متحف جامعة كامبريدج. ثم عام 2015 بباريس، تكرر في متحف شاتو دو فونتانبلو، وهو القصر الملكي الفرنسي سابقًا، فسرقت كل التحف الصينية وترك ما دونها وإن كان باهظ الثمن. 

انتقلت القصية إلى البوليس الدولي، ولكن رغم تشابه السرقات، لم يكن عندهم ما يكفي من المعلومات لتتبع مرتكبيها، ولم تستطع الشرطة إيقافها. ففي الأعوام التالية، استمرت سرقات الفن الصيني في أنحاء أوروبا. ولكن تعالى الحديث عن أن السارقين لا يصنعون صنيعهم هذا من تلقاء نفسهم ولا من أجل سوق الآثار والفن المسروق الغربية؛ وإنما هي تعليمات تأتيهم من خارج أوروبا  

ولكن من له مصلحة فترتيب سرقات دقيقة كهذه، فلم تظهر أغلب القطع المسروقة مرة أخرى، والتعامل مع قطع كهذه أمر في غاية الصعوبة؟ حتى محترفو تجارة الآثار والفن يستعصي عليهم تصريف القطع الفنية المشهورة أو التي يسلط عليها الضوء. على الأرجح إذن أنها انتهى بها المطاف في مجموعة خاصة تعود إلى الشخص أو المنظمة التي طلبت سرقتها في المقام الأول. ولكن من يكون هذا الشخص أو المنظمة؟ 


 

لنعرف أي شيء عن هذا، علينا أولًا أن نعود بالزمن أكثر من 160 عامًا: إلى حرب الأفيون الأولى. يتقدم الجيشان البريطاني والفرنسي بقوة نحو القصر الصيفي القديم ببيكين، مقر حكم أسرة تشينغ، ليأخذوا بثأر إخوانهم الذين قتلهم الصينيون أثناء جلسة تفاوض للسلام. حرق الأوروبيون القصر ودمروا الأخضر واليابس، وحمل كل جندي ما يستطيع حمله من التحف التي زينت القصر آنذاك من ملابس وأبارايق وآنية وكؤوس ولوحات، وأخذوا كل ما استطاعوا أخذه، بما في ذلك الحيوانات الأليفة.   

انتهى المطاف بالتحف المسروقة في أوروبا، وبالأخص في مقتنيات الأسر الملكية. حتى أن أحد الحيوانات الأليفة التي سرقت، قٌدمت هديةً إلى الملكة فيكتوريا، وكان الاسم الذي اختارته له looty  أي المسروق. ثم انتشرت القطع في متاحف أوروبا المختلفة، ومن بينها المتاحف السابق ذكرها. 

في العقود الأخيرة، زاد اهتمام الحكومة الصينية بالهوية الوطنية، وأبدوا رغبتهم في إرجاع كل التراث المسروق في حربي الأفيون، وبالأخص ما سُرق من القصر الصيفي القديم. فشاع أن مع ازدياد الروح القومية الصينية، عقد بعض الصينيون العزم على أن يعيدوا كل ما سرق من الصين من أنحاء العالم مهما كلف الأمر. وأشارات الأصابع إلى أكثر من متهم. 

كانت العيون على أثرياء الصين الذين ازدادوا بشكل ملحوظ في مطلع القرن الواحد والعشرين. فمع قوة الاقتصاد، وازدياد الروح الوطنية القومية عند الصينيين، صار سوق التحف الصينية من أعلى الأسواق الفنية قيمة. فشراء تحف كهذه يظهر مدى الثراء والترف الذي يعيش فيه مليارديرات الصين من جهة، كما يثبت حبهم للبلاد وتقديرهم لتراثها. فعلى سبيل المثال، بيعت هذه المزهرية الصينية ب69 مليون دولارًا في مزاد بدأ ب80 ألف دولار فقط. وكذلك هذا البساط التبتي الذي بيع 45 مليون دولارًا. 

ولكن يرى آخرون أن المسؤولين عن هذه السرقات ليسوا المليارديرات الصينيين وحدهم، بل الحكومة الصينية نفسها. فدقة السرقات، مع إعلان الحكومة الصينية رغبتها في استرداد تراثها، يضعها في محل الشك. ولكن الحكومة الصينية نفت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها مثيرة للسخرية. ولكن الغريب أن إحدى القطع التي سرقت من متحف بيرغن، معروضة الآن على الملأ في مطار شانغهاي. أراد المتحف التحقيق في ذلك، ولكن الحكومة النرويجية لم ترد الصدام مع الصين. ومازلت هذه السرقات من الألغاز التي لا يعرف لها أحد حلًا يقينيًا.  

المنشورات ذات الصلة

featured
Sart
Sart
·24-01-2024

زهور آندي وارهول

featured
Sart
Sart
·05-02-2024

حذاء فان غوخ

featured
Sart
Sart
·05-02-2024

الفنّ التكعيبي

featured
Sart
Sart
·13-02-2024

العين ودلالات الروح