من كانت كاسندرا أوستن، الشقيقة الفنانة للروائيّة جاين أوستن؟

رسمٌ بقلم كاسندرا منسوخٌ عن صورةٍ في كتاب أسس الرّسم لكيبرياني (1786)، أنجزته الفنّانة سنة 1795، وهو مُدرجٌ في معرض «فنّ كاسندرا» في منزل جاين أوستن. الصّورة بعدسة لوك شيرز.

جو لاوسون تانكريد

ترجمة: جوزيف بوشرعه

معرضٌ فنّيٌّ يضمّ بورتريهات عائليةً تُعرض لأوّل مرّةٍ، ضمن برنامجٍ يمتدّ على عامٍ كاملٍ، احتفاءً بمرور 250 سنةً على ولادة جاين أوستن

ها قد أخذ الغبار ينجلي عن شخصيّةٍ لطالما ظلّت مغمورةً في حياة جاين أوستن، ألا وهي كاسندرا الأخت الأكبر سنًّا للرّوائيّة المشهورة. فقد كانت كاسندرا نفسها مبدعةً أيضًا، ولعلّ شهرتها تعود إلى رسمها بورتريه لطيف عن أختها جاين الذي نعثر عليه محفوظًا في المعرض الوطنيّ للبروتريهات في لندن. أمّا اليوم فتعرض للمرّة الأولى أعمالها التي نجت من الاندثار، ومنها عددٌ من الرّسومات المكتشفة حديثًا، وهو ما سيمنحنا نظرةً إلى العالم الفنّيّ الذي عاشت فيه الأخوات أوستن وتشاركنَ إيّاه.

افتُتِح المعرض بعنوان «فنّ كاسندرا» «The Art of Cassandra»، وهو يضمّ عشرة أعمالٍ فنّيّةٍ تنتثر في أرجاء منزل جاين أوستن بقرية تشاوتون الإنكليزيّة. وجاء هذا المعرض في إطار احتفالات المتحف بمرور مئتين وخمسين سنةً على ولادة الرّوائيّة الخالدة سنة 1775.

هذا المعرض هو أكبر عرضٍ للأعمال المثبتة نسبتها إلى كاسندرا، كما يضمّ مزيجًا من البورتريهات العائليّة الأقلّ شهرةً مثل: بورتريه أخيها جايمس وابنة أختها فاني كاثرين نايت؛ ومشهدًا شتويًّا ذا إضاءةٍ خافتةٍ يبرز فيه شخصٌ وحيدٌ مع كلبه؛ فضلًا عن نسخٍ من أعمالٍ فنّيّةٍ أخرى. ومن هذه الأعمال ثمّة ستّةٌ لم يسبق عرضها على الجمهور، فقد تبرّع بها مؤخّرًا متحدّرون من عائلة أوستن أو أعاروها للمتحف. كذلك نجد أربعة أعمالٍ مكتشفةً حديثًا.

لوحةٌ مائيّةٌ لمنظرٍ طبيعيٍّ بريشة كاسندرا أوستن تعود إلى سنة 1802، وهي مُدرجةٌ في معرض «فنّ كاسندرا» في منزل جاين أوستن. الصّورة بعدسة لوك شيرز، وقد التقطها لمتحف منزل جين أوستن.

وفق قيّمة المعرض جنين باركاس، وهي أستاذة اللّغة الإنكليزيّة في جامعة تكساس في أوستن: «لم يُجمع هذا العدد الكبير من أعمال كاساندرا الفنّيّة في مكانٍ واحدٍ، أقلّه منذ سنواتها الإبداعيّة التي قضتها في هذا الكوخ». وأضافت باركاس أنّ اهتمام كاساندرا بنسخ الصّور التي وجدتها في الكتب والمطبوعات يمنحنا فهمًا جديدًا عن عادات القراءة لدى الشّقيقتيْنِ.

وُلدت كاساندرا سنة 1773، وكانت تكبر شقيقتها جاين بثلاث سنواتٍ تقريبًا. ونظرًا إلى أنّهما الفتاتان الوحيدتان بين ستّة أشقّة، فقد نشأت بينهما علاقةٌ وثيقةٌ جدًّا؛ إذ تلقّت الشّقيقتانِ تعليمهما معًا تحت إشراف خالتهما السيّدة كاولي، ثمّ في مدرسة «ريدينغ آبي» «Reading Abbey» الدّاخليّة للبنات. وقد ساعدت الرّسائل التي تركتها جاين لكاساندرا الباحثين على استجلاء بعض التّفاصيل عن حياة الكاتبة.

طاولة كتابة في منزل جاين أوستن. الصّورة بعدسة لوك شيرز، وقد التقطها لمتحف منزل جين أوستن.

عندما كانت الفتاتان لا تزالان في سنّ المراهقة وتتلقّيان دروسًا في الرّسم والعزف على البيانو في منزلهما، تعاونتا معًا لإنجاز بعض أعمالهما المبكرة. ففي سنة 1791، وضعت جاين أوستن التي كانت تبلغ من العمر 15 سنةً كتابًا ساخرًا يتهكّم على كتيّبات التّاريخ المدرسيّة وعنوانه تاريخ إنكلترا. وقد زيّنت كاساندرا المخطوطة بعددٍ من رسوماتها للملوك التّاريخيّين.

قالت صوفي رنولدز، وهي رئيسة قسم المقتنيات والعرض والتّواصل في متحف منزل جاين أوستن: «إنّ براعة كاساندرا توازي براعة جاين نفسها؛ فهي دقيقةٌ متأنّيةٌ، ورقيقة الملمس، وخفيفة الأثر، وفي رؤيتها متعةٌ للنّاظر. وعلاوةً على ذلك، فإنّ رسومات كاساندرا، لمن يعنيه أدب جاين أوستن، تستحضر وفرة اللّوحات والرّسومات التي ترد في روايات شقيقتها.»

رسمٌ بقلم كاساندرا منسوخٌ عن مطبوعة باركولوزي الحبّ الزّوجيّ «Conjugal Love» (1786)، وقد رسمته سنة 1806، وهو مدرجٌ في معرض «فنّ كاساندرا» في منزل جاين أوستن. الصّورة بعدسة لوك شيرز.

وقد أشارت رينولدز تحديدًا إلى مقطعٍ في رواية العقل والعاطفة «Sense and Sensibility» عن انتقال الأخوات داشوود إلى بارتون كوتيدج مع والدتهنّ الأرملة. «ففي أثناء ترتيب شؤون إقامتهنّ عُلّقت رسومات إلينور على جدران غرفة الجلوس» وفق ما كتبت أوستن، «تمامًا كما نرى اليوم أعمال كاساندرا الفنّيّة معلّقةً في منزل جاين أوستن» على حدّ تعبير رينولدز.

لم تتزوّج أيٌّ من الشّقيقتَيْنِ أوستن مطلقًا، بل أمضتا معظم سنوات حياتهما معًا، وأحيانًا في كنف أحد إخوتهما وعائلته. وبعد وفاة جاين سنة 1817 عن عمرٍ لم يتجاوز الحادية والأربعين، نعتها كاساندرا التي مدّ الله في عمرها عقودًا بعدها، مدوّنةً في إحدى رسائلها: «كانت شمس حياتي، ومنبع سعادتي، ومهوّنة أحزاني؛ وما أخفيتُ عنها يومًا خاطرًا من خواطري.»

الصّورة بعدسة لوك شيرز، وقد التقطها لمتحف منزل جين أوستن.

وقد أقدمت كاساندرا قبل وفاتها سنة 1845 على إتلاف عددٍ كبيرٍ من رسائل جاين الموجّهة إليها، وهو الفعل الذي اشتُهرت به أكثر من غيره. وإذا يعدّ ذلك خسارةً بيّنةً في تاريخ الأدب، فقد ذهب بعض الباحثين إلى أنّ كاساندرا إنّما أرادت أنْ تصونَ ذكرى أختها وتحمي صورتها. أمّا ما احتفظت به من مراسلاتٍ فأورثته لأبناء وبنات إخوتها.

إنّ منزل جاين أوستن هو متحفٌ صغيرٌ مستقلٌّ يقع في كوخٍ عائدٍ إلى القرن السّابع عشر في تشاوتون في مقاطعة هامبشير، حيث قضت الروائيّة السّنوات الثمانية الأخيرة من عمرها. وفي ذلك المنزل انصرفت إلى مراجعة رواياتها، أو إلى تأليفها ونشرها كلّها، وهي الرّوايات السّتّة الشّهيرة. وكان المنزل جزءًا من العقار الذي يملكه شقيقها إدوارد الذي منحه لأختيه وأمّه ليكون لهنّ مسكنًا دائمًا.

منزل جين أوستن © Jane Austen’s House.

يستضيف المتحف برنامجًا احتفاليًّا على مدار سنةٍ كاملةٍ بمناسبة مرور مئتين وخمسين سنةً على ولادة جاين أوستن. وقد انطلق هذا البرنامج بمهرجان الكبرياء والتّحامل في شهر يناير، إذ شمل محاضراتٍ مميّزةً، وعروضًا ممتعةً، فضلاً عن ورش عملٍ. وسيتبعه مهرجان الرّبيع: العقل والعاطفة في مايو، ومهرجان إيما في يوليو، ومهرجان الإقناع والشّعر في سبتمبر.

وفي أثناء ذلك، يستمرّ معرض «أوستن مانيا!» «Austenmania!» طوال سنة 2025، ويجمع تذكاراتٍ من مختلف الأفلام السّينمائيّة المحبوبة التي اقتبست روايات أوستن؛ وهو مشمولٌ في سعر دخول منزل جاين أوستن مثل أعمال كاساندرا الفنّيّة تمامًا.

يُعرض «فنّ كاساندرا» في منزل جاين أوستن، ونتشاستر رود، تشاوتون، ألتون، إنكلترا، المملكة المتّحدة، من 29 أبريل إلى 8 يونيو 2025.