1936 ،فوجي من ناروساوا
ترجمة: بشاير عبدالرحمن
في عالم سينما الرسوم المتحركة، قدّم استوديو جيبلي بدون شك مجموعة من أروع الأفلام الساحرة على الإطلاق بصريًا وسرديًا، تأسس الاستديو في منتصف الثمانينيات من قبل هاياو ميازاكي، إيساو تاكاهاتا، وتوشيو سوزوكي، وتابع جيبلي جهوده وإنتاجاته التي تلقى التقدير والحفاوة الكبرى في عالم أفلام الرسوم المتحركة، ومنهم فيلمي المخطوفة وقلعة هاول المتحركة. ثمّة رقة تلامس القلب والروح في أفلام جيبلي، وبصريًا، هي بمثابة تحف فنية حقيقية. قد يظن البعض أن مثل هذا الإلهام يصدر مجردًا من أعماق العقول المبدعة لميازاكي وأقرانه، ولكن الحقيقة هي أن المخرج تأثر بشدة بالفنان الياباني هاسوي كاواسي.
بحيرة ماتسوبارا في الصباح، 1941
كان كاواسي فنانًا يابانيًا معروفًا في فن الطباعة الخشبية في أوائل القرن العشرين، وكان شخصية رئيسية في حركة شين هانجا، التي صوّر فنانوها الموضوعات التقليدية بأساليب ممزوجة بأساليب العالم الغربي. من خلال ما يقارب الألف مطبوعة خشبية على مدار 40 عامًا، أنتج كاواسي العديد من اللوحات وفي الغالب لوحات المظاهر الطبيعية المختلفة إلا أنّ ما ميزه عن معاصريه كان استخدام مؤثرات الطقس والفصول والإضاءة الفريدة. أظهر الفنان المولود في طوكيو موهبة للفن منذ صغره وابتُعِث في نهاية المطاف للتعلم تحت إشراف معلم طباعة الخشب كيوكاتا كابوراجي. تصوّر أعماله الأولى المناظر الطبيعية الساحرة والهادئة في الريف الياباني، وتلتقط تفاصيل هذه المناطق الطبيعية بدقة متناهية. رحلاته في بلاده ذات الطبيعة الشرق آسيوية ألهمته في أعماله ورسم العديد من المعالم الشهيرة في اليابان طوال حياته المهنية، بما في ذلك جبل فوجي، ومعابد كيوتو الرائعة، وشوارع طوكيو المزدحمة، حيث نجد كل طباعة ممزوجة بشخصيته وعقليته الفريدة.
يوم غائم في ميزوكي، 1946
في لوحاته تساهم الخطوط الدقيقة واختيارات الألوان في نقل مظاهر الطقس والجو العام بطريقة تستحضر شعورًا بالحنين، من خلال تأثيرها تنقل المتأمل إلى أماكن ما بين الواقع والخيال، بنفس الطريقة والأثر الذي تتركه أفلام استوديو جيبلي. إن تأثير كاواسي على جيبلي وميازاكي وفريقه من رسامين ومحركين يمكن تجليّه ورؤيته بوضوح، وسبق لميازاكي نفسه أن صرّح بإعجابه الكبير بالفنان. قدرة كاواسي البديعة على التقاط جمال الطبيعة إلى جانب التجربة البشرية لعبت دورًا كبيرًا في حب ميازاكي وتقديره لكاواسي، ووجدت تلك الرؤية طريقها إلى العديد من أفضل أفلام استوديو جيبلي. على سبيل المثال أفلام مثل جاري توتورو، والمخطوفة، والأميرة مونونوكي تتضمن جميعها مناظر طبيعية تشبه إلى حد كبير نمط طباعة الخشب لكاواسي، سواء في الغابات الخضراء أو الأماكن الريفية الجميلة، ومن هذا يتّضح أن ميازاكي حرص على إظهار احترامه وتقديره لأحد فنانيه المفضلين.
جبل فوجي في المساء من تاجونورا، 1940
ركّزت أفلام جيبلي على قيمة العالم الطبيعي وضرورة تقديره، كما صوّرت أعمال كاواسي أيضًا الطبيعة كشيء مقدس وقيّم، إذ يجب ألا تؤثر الأنشطة البشرية على الطبيعة أثرًا سلبيًا، وعلى نفس النهج سعى ميازاكي في أعماله على التأكيد على ضرورة الحفاظ على مظاهر الطبيعة في عالمنا الجميل. مثلما تمكنّت العديد من أفلام جيبلي من أن تقتحم عقولنا وتستقر في أرواحنا فعل الفنان كاواسي بتجاوز حدوده الفنيّة لترسيخ التاريخ الثقافي والطبيعي لليابان وترك إرثًا سيظل مصدرًا لإلهام الكثير من الفنانين كما تركه هاياو ميازاكي.
نهر أراكاوا في أمطار مايو، 1932
أمطار المساء في كاواراغو، 1947
بحيرة كاواجوتشي، 1942
البحر في الصباح، 1932