نظرية الألوان في الفن

single

لوحة نظرية الألوان، للفنانة لي بيوثر

 

 

فرانسوا كزافييه ترانكار

ترجمة: بشاير عبدالرحمن

 

اُبتكِرت الأصباغ قبل حوالي 40,000 سنة. حيث كان المصريون يستخدمون ستة ألوان: الأبيض والأسود والأزرق والأحمر والأصفر والأخضر. وفي العصور الوسطى كان للون الأزرق مكانته وقيمته من بين الألوان، وكان باهض الثمن. في الحاضر توسع الاهتمام بدراسة وتحليل الألوان وأصبحت لدينا مجالات متخصصة في دراسة سيكولوجية الألوان. بمرور الوقت، ومن حركة فنية إلى أخرى، تطورت الألوان واستخداماتها بصورة جذرية، من ناحية الخطوط والمساحات والأشكال والملمس، فإن اللون هو العنصر المرئي الأساسي الذي يُشكل العمل الفني.

 

نشأة نظرية الألوان

اُعتقِد لزمن طويل، أن كل الألوان التي نراها تتشكَّل من الألوان الرئيسية الثلاثة: الأحمر والأزرق والأصفر، واستندت نظرية الألوان على هذا الثلاثي المعروف في البداية. ندين لإسحاق نيوتن بعجلة الألوان بنسختها التي نعرفها اليوم، التي تشتمل على الألوان الأساسية الثلاثة، بالإضافة إلى أربعة ألوان مشتقة. 

إلا أن أول من طور نظرية متعلقة بالألوان كان الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ غوته، إذ رأى أن الألوان تتشكل من الضوء والظل، حيثُ أن «الأصفر ما هو إلا ضوءٌ تكبحه العتمة، والأزرق ظلمة يُضعِفُها الضوء». على عكس نيوتن، أسس غوته نظرية الألوان التي تستند على عوامل نفسية أكثر منها فسيولوجية؛ أي استنادًا على إدراك العين للون، بدلًا من كيفية تشكُّل الضوء.

ألهم غوته زملائه الرسامين الذين كانوا قد حددوا، في ذلك الحين، جميع قواعد العناصر البصرية الكلاسيكية للوحة باستثناء الألوان. وقد أشار الفنان فاسيلي كاندينسكي -الذي وضع بدوره تحليلًا مُهمًّا للألوان- إلى ذلك الكتاب باعتباره من أهم الأعمال في المجال. إلا أن الانطباعيين كانوا سبَّاقين في عِلم الألوان، واهتموا بتفسير جوهر الألوان وأفضل الطرق لوصفها وتمثيلها.

 

عجلة ألوان غوته في كتابه نظرية الألوان (1810)

 

تأثير الانطباعيين

أحدث الانطباعيون ثورة في استخدام الألوان وإدراكها، لم يتفقوا مع فكرة أن تغميق اللون يُعتبر تظليلًا، بل رأوا أن الظل المثالي يُشكل من ألوان مُكمِّلة لبعضها، واختبروا هذه الفرضية للتوصل إلى أفضل تمثيل للظل من خلال رسم المناظر الطبيعية نفسها في أوقات مختلفة من اليوم. وأسست هذه الحركة الفنية نهجًا جديدًا كليًّا في تمثيل الضوء واللون. ومن خلال التركيز على هذين العنصرين، على حسب تكوينهما، وسع كلود مونيه وإدغار ديغا وأقرانهما مجال هذا الاحتمال بدرجة كبيرة، وكانوا على فدر من الإبداع والجرأة على كسر الأطر المعروفة فقدموا ألوانا أكثر إشراقًا وتوليفات لم تُعرف من قبل.

 

كلود مونيه، كاتدرائية روان (1894)

 

عاطفة التعبيريين

من منطلق إيمان التعبيريين الراسخ بقدرة الفن على التعبير عن العواطف، استكشفوا تأثيرات اللون على الإنسان. قامت مجموعة وعلى رأسها كاندينسكي بإجراء تحليل عميق للألوان، وأكد في كتاب الروحانية في الفن (1911)، أن المهمة الحقيقية للفن ذات طبيعة روحانية. وأنشأ شبكة للألوان، مكونة من عشرة ألوان مرتبطة بالمشاعر والأصوات، اعتبر الأزرق والأصفر متضادان، مثل الأسود والأبيض. واعتقد كاندينسكي أن «اللون الأزرق الداكن يجذب الإنسان نحو اللانهائية، ويوقظ فيه الرغبة في النقاء ويروي عطشه لما وراء الطبيعة». وفي بحثه عن التجريد، ابتكر لوحات كأنها ألحان تُلهِم الروح.

 

 

إيف كلاين أثناء تصوير فيلم في استوديو المصور تشارلز ويلب، دوسلدورف، فبراير 1961

 

 

إيف كلاين والتفوقية

بعد بضعة عقود، ظهر للون الأزرق معجب آخر هو الفنان: إيف كلاين. وسُجل باسمه لون جديد في تاريخ الفن: أزرق إيف كلاين العالمي. التفوقية هي حركة فنية تهدف إلى تقليص العمل الفني -اللوحة أو المنحوتة- إلى أبسط أشكالها؛ بحيث لا يظهر في مرآنا سوى العناصر المادية البحتة للأعمال، ويرى كلاين أن ذلك يسمح بتجلي الواقع الأثيري واللامرئي، وبالتالي تتجلى قوة الخيال بتأمُّل فراغ اللون الأُحادي. وقد كانت لوحة أبيض في أبيض للفنان كاسمير ماليفيتش سلف هذه الحركة.

إلى اليوم، ما تزال الألوان لغزًا للفنانين، ومجالًا للتساؤل حول قيمتها وما تُمثله، واستخداماتها ودورها في الفن. تُدرك العين البشرية ما يصل إلى عشرة ملايين لون مختلف، لذا فمن الطبيعي أن لغز الألوان سيبقى عصيًّا على الإجابة.

 

 

المنشورات ذات الصلة

featured
Sart
Sart
·23-01-2024

ما الغاية من الفن؟

featured
Sart
Sart
·21-04-2024

لماذا تُعد لوحات مونيه لزنابق الماء أيقونية للغاية

featured
Sart
Sart
·25-04-2024

هاسوي كاواسي: الفنان الذي ألهم استوديو جيبلي

featured
Sart
Sart
·29-04-2024

برجوازيو كاليه