«إنّه لا يشبه شيرلوك هولمز»: القيمة الصّدقيّة والمكانة الوجوديّة للعوالم الخياليّة وشخصيّاتها

single

 

 

جوليان لابوانت

ترجمة: جوزف بوشرعه

 

خلاصة

يسعى هذا الفصل إلى تحديد المكانة الوجوديّة «existential status» والقيمة الصّدقيّة «truth-value» للشّخصيّات الخياليّة، حيث سنتّخذ مثلًا من التّجسيدات المتعدّدة لشخصيّة شيرلوك هولمز. يراجع هذا الفصل مدرستينِ متعارضتين، بل خصمتين، انطلاقًا من الميتافيزيقا وعلم دلالة العوالم الممكنة «possible-world semantics». وسنطرح مفهوم «الأشياء اللّاموجودة» لألكسيوس ماينونغ «Alexius Meinong»، أي المقاربة الميتافيزيقيّة، حيث سنُبرز اختلافها عن طريقة تفكيرنا في الشّخصيّات الخياليّة. أمّا طرح «الصّحّة في الخيال» «truth in fiction» الذي استمدّه ديفيد لويس «David Lewis» من المنطق وعلم دلالة العوالم الممكنة، فيعجز عن التّطرّق إلى خصوصيّات الشّخصيّات الخياليّة كما نراها متمثّلةً في تجسيداتٍ عدّةٍ. وبمقابل ذلك، سأطرح موقفي بأنّ خير مقاربةٍ للشّخصيات الخيالية هو اعتبارها «شبه موجودةٍ» «quasi-existent»، وهو مصطلحٌ استحدثته كي ينصّ على أنّ وجودهم المتخيّل لا يُحصر بالمعرفة المستمدّة من العالم الحقيقيّ، كما لا يكون مجموع تجسيداتهم النّصيّة. ختامًا، سأشير إلى أنّ مفهوم «شبه الوجود» (وشبه الموجود) قد يفيد نظريّات الخيال في المستقبل، على الرغم من مخالفته الحسّ المشترك.

الكلمات المفاتيح: شيرلوك هولمز، الأشياء اللّاموجودة، الصّحّة في الخيال، ماينونغ، ديفيد لويس.

مقدّمة

في مقابلةٍ أجراها ستيفن موفات «Steven Moffat» منذ بضع سنواتٍ، وهو أحد مبتكري مسلسل شيرلوك «Sherlock» التّلفزيونيّ على قناة بي بي سي «BBC» حيث صرّح فيها بالآتي: «أظنّ أنّ الممثّل روبرت داوني جونيور «Robert Downey Jr.» أدّى عملًا جبّارًا في تأديته دور شخصيّة شيرلوك هولمز، لكنّني لن أعتبره يومًا شيرلوك هولمز فعليًّا عند مشاهدته. إنّه قصير القامة جدًّا، ولا يشبهه» (Leader 2010). وطبعًا، يفهم هذا الجواب كلّ معجبٍ، وكاتبٍ، وحتّى كلّ فردٍ من الجمهور العامّ. فنحن نُلحق صفاتٍ بكياناتٍ خياليّةٍ، وتاليًا نتخيّلها كأنّها في هيئةٍ محدّدةٍ وتتصرّف على نحوٍ معيّنٍ. هكذا، نرسم حدودًا ونضع قيودًا حيث نتّفق وفقها على عددٍ من التّجسيدات المختلفة. إذ يستطيع شيرلوك هولمز، خلافًا لي ولك، أنْ يكون موجودًا في القرن الواحد والعشرين أو في انكلترا في الحقبة الفيكتوريّة.[1]

ولكن، إذا سلّمنا بهذه التّجسيدات المتعدّدة فهل نستطيع اعتبارها صادقةً، أو صحيحةً نسبيًّا؟ إنّ فكرة تجسيدٍ صادقٍ أو صحيحٍ لشخصيّة شيرلوك هولمز تبدو ضربًا من المغالاة، بيد أنّ الاقتباس المذكور آنفًا يشير إلى أنّ القيمة الصّدقيّة للخطاب الخياليّ يجتذب تعقيدًا أكبر من ترديد الملاحظة السّطحيّة: «ليست سوى أخبارٍ مختلقةٍ». وإن صحّ ذلك، فإنّ أسئلتنا المتعلّقة بهويّة شخصيّةٍ خياليّةٍ (كسؤالنا: من هو شيرلوك هولمز؟) لا يمكن تفسيرها في إطار توليده من عقلٍ فردٍ أو جماعةٍ.

ولقد نوقشت هذه المسائل في الميتافيزيقا، وعلم دلالة العوالم الممكنة، ونظريّات الخيال[2]. ولكنّ عدّنا العوالم الخياليّة عوالم ممكنةً لا يجيب على السّؤال الذي أسماه موراي سميث «بروز الشّخصيّة» «the saliency of character»[3]. وتوضيحًا، إنّنا نعتبر السّرديّات الخياليّة متمحورةً حول شخصيّاتٍ خياليّةٍ، وهذه الأخيرة تصبح محطّ اهتمامنا، وأحيانًا هي التي تغذّي هذا الاهتمام، كما توجّه تجربتنا في العوالم الخياليّة. إنّ مشكلة بناء الشّخصيّات الخياليّة، وتحديدًا قيمتها الصّدقيّة ومكانتها الوجوديّة، تستحقّ معالجتها بوصفها مشكلةً فريدةً. هكذا، يصبح السّؤال كالآتي: ما هي المصطلحات أو النّظريّات الفريدة التي تمكّننا من تمييز الشّخصيّات الخياليّة وفق الصّحّة، و/أو الوجود، و/أو العوالم الخياليّة؟ ونأمل في الإجابة عن هذا السّؤال من استكشاف الحكمة الخفيّة (أو هذا الغموض) خلف المقصود من قولنا: هذا الممثّل يشبه شيرلوك هولمز (أو لا يشبهه).

ثمّة إجاباتان فلسفيّتان أقلّه على هذا السّؤال: تنطلق الأولى من الميتافيزيقا، أمّا الثانية فمنطلقها علم دلالة العوالم الممكنة. تتمثّل الإجابة الميتافيزيقيّة بالآتي: إنّ شيرلوك هولمز، واستتباعًا جميع الشّخصيّات الخياليّة، هي «أشياء لاموجودةٌ»، أي كياناتٌ غير موجودةٍ مادّيًّا، ولكن لديها هويّاتٌ اسميّةٌ ومجرّدةٌ[4]. أمّا إجابة علم دلالة العالم الممكن، فهي أنّ الشّخصيّات الخياليّة هي نتيجةٌ طبيعيّةٌ للعوالم المتخيّلة. إذ تُحدَّد الشّخصيّات الخياليّة بأنّها جزءٌ من العوالم الخياليّة، وتاليًا لا حاجةَ لنا للإلحاق بها هويّةٌ فريدةٌ (مثلًا: «لاموجودةً»، أو غير ذلك). يرفض علم دلالة العوالم الممكنة التّفسير الميتافيزيقيّ بناءً على البساطة الفكريّة. لذلك، سأحاجّ ضدّ التّفسيرينِ. وفي الوقت نفسه، سأطرح أنّ الشّخصيّات الخياليّة تحمل هويّاتٍ فريدةً، حيث يفضَّل اعتبارها «شبه موجودةٍ»[5].

في هذا المقال سأحاجّ أنّ نظريّة الأشياء اللّاموجودة تعجز عن تفسير الشّخصيّات الخياليّة، ثمّ سأنتقل إلى العوالم الممكنة والمنطق المضادّ للواقع «counterfactual logic» مبيّنًا نقصها. وأخيرًا، سأتطرّق إلى شبه وجود الشّخصيّات الخياليّة، وهو ما سأدافع عنه بوصفه ضروريًّا.

ماينونغ: الأشياء اللّاموجودة وشبه الموجودة

لقد سعى أليكسيوس ماينونغ في مقاله «نظريّة الأشياء» «The Theory of Objects» المنشور سنة 1904 إلى الدّفاع عن جدوى نظامٍ فلسفيٍّ، حيث طوّر نظريّته المذكورة ضمن الميتافيزيقا[6]. تطرح هذه النظريّة فكرةً غير بديهيّةٍ مفادها: قد توجد أشياء لاموجودةٌ، مثل: المربّعات المستديرة، والجبال الذّهبيّة. واستُمدّ هذا الموقف من مبدأ ما بعد الكينونة أو «Aussersein»، الذي وفق ماينونغ ينشأ من استقلاليّة الماهيّة عن الوجود، أو «Sosein» [الهاكينونة] عن «Sein» [الكينونة]: «ذاك الذي لا يكون خارجًا عن الشّيء، بل يشكّل ماهيّته الحقّة، إذ ينوجد في الهاكينونة، وهذه الهاكينونة مرتبطةٌ بالشّيء، سواءٌ أكان يمتلك كينونةً أم لا» (Meinong 1960, 86). ثمّ يضيف ماينونغ:

«ليست الكينونة الافتراض المسبق الذي تجد فيه المعرفة موضع هجومها (إذا جاز التّعبير)، بل هي نفسها موضع الهجوم. كما إنّ اللّاكينونة هي موضع هجومٍ جيّدٍ. علاوةً على ذلك، تجد المعرفة في هاكينونة الشّيء مجالًا للنّشاط، حيث يمكنها الولوج فيه من دون الإجابة على السّؤال المرتبط بالكينونة أو اللّاكينونة، أو من دون الإجابة على هذا السّؤال إيجابًا» (ibid.).

يؤدّي ما بعد الكينونة دور بديلٍ لمفهوم «Quasisein»، أو شبه الكينونة الذي تخلّى عنه ماينونغ سائلًا: «هل يستطيع الوجود الذي لا يعارضه اللاوجود في المبدأ أن يسمّى وجودًا؟» (1960, 85). سأحاجّ من دون التّطرّق إلى الصّوابيّة النّظريّة لمفهوم ما بعد الكينونة بأنّ ماينونغ قد استبق في تخلّيه عن شبه الكينونة، أو بالأحرى شبه الوجود، نظرًا لارتباطه بالتّمثيلات الخياليّة. وهذا ما يستلزم أنْ تكونَ الشّخصيّات التي تقطن الأعمال السّينمائيّة أو الخياليّة الأخرى نوعًا مختلفًا عن الأشياء المستحيلة منطقيًّا التي طوّر لها ماينونغ نظريّته في الأشياء اللّاموجودة. سأعلّل عدّي حجّته ضدّ التّكافؤ المنطقيّ لشبه الكينونة غير مشروعةٍ، ثمّ سأشير إلى سبب عدم إمكانيّة تطبيق اللّاوجود على مثيل شيرلوك هولمز أو دراكولا.

إنّ الحجّة التي تفيد بأنّ شبه الكينونة لا يمكن افتراضه نقيضًا تامًّا للكينونة أو اللّاكينونة هي حجّةٌ مغلوطةٌ. إذ تقرب من مبدأ الثّالث المرفوع عند أرسطو، ولو على نحوٍ غير دقيقٍ: يجب على المرء أن ينفي شيئًا ما، أو يؤكّده. ولكنْ، لا يمكنه أنْ ينفيه جزئيًّا و/أو يؤكّده جزئيًّا. هكذا، يجب عليه إمّا تأكيد أنّ شيرلوك هولمز شيءٌ لاموجودٌ، إمّا عليه نفي ذلك. أمّا نفينا أنّ شيرلوك هولمز شيءٌ لاموجودٌ، فلا يلزمنا بالرّأي الذي يفيد بأنّ شيرلوك هولمز موجودٌ، وعوضًا عن ذلك يمكننا القول إنّه منوجدٌ[7]. وعلى هذا النّحو، عندما تضع يدك في الماء، فأنت إمّا ستؤكّد برودتها، إمّا ستنفيها: نفيك الماء باردًا يستلزم أنْ يكون دافئًا، أي أنْ تكون حرارة الماء في الأساس شبه حارّةٍ وشبه باردةٍ. وقد يكون المصطلحان متضادين، ولكنّ هذا لا ينفي المفاهيم أو الخصائص الوسيطة.

والأهمّ من ذلك، لا نستطيع تصوّر مخلوقات الزّومبي ومصّاصي الدّماء مثل تصوّرنا المربّع المستدير والجبل الذّهبيّ عند ماينونغ. لاحِظْ وصف أحد المتخصّصين بدراسة ماينونغ هذه الكيانات:

«نكوّن المفاهيم، والأوصاف، والتّمثيلات الخياليّة، وما شابهها التي تنطبق على الأشياء أو لا تنطبق عليها، ولكنْ لا شيء منها يُعدّ أشياء بذاتها. عندما نتخيّل شيئًا معيّنًا، فنحن لا نصنعه، بل نختاره من الوفرة اللّامتناهية من ما بعد الكينونة، ثمّ نركّز عليه بدلًا من التّركيز على شيءٍ آخر.» (Perszyk 1993, 257-258)

هل نتخيّل مثلًا مربّعًا مستديرًا، أو أيّ مربّعٍ مستديرٍ يتّفق مع هذا التّلفّظ اللّغويّ (عنيت المربّع المستدير بوصفه كلمةً)؟ وسأصيغ سؤالي تقنيًّا: هل تتطابق أفكارنا مع المواقف التي تكون «de dicto» (أي عمّا يقال) أم «de re» (عن الشّيء)؟[8] ويرى برزيك أنّها لا يمكن أن تكون عمّا يقال:

«عندما نتخيّل جبلًا ذهبيًّا، فنحن نتخيّل شيئًا ذهبيًّا وجبلًا، وعندما نتخيّل مربّعًا مستديرًا، فنحن نتخيّل شيئًا يكون مربّعًا ومستديرًا معًا، أقلّه إذا فُهم لهذا الأمر انطلاقًا عمّا يقال. ولكنْ، إذا فُهم انطلاقًا من عمّا يقال، فثمّة مشكلةٌ في قولنا: يوجد شيءٌ لاموجودٌ في التّخيّل. ففي المواقف التي تنطلق ممّا يُقال، ليس من الضّروريّ أنْ يكون هناك شيءٌ إطلاقًا، سواءٌ أكان موجودًا أم لاموجودًا كما أوضح راسل.» (258-259)

وبالحديث عن الجانب الآخر من المعادلة، راجع ما كتبه برزيك أيضًا: «إذا لم يكن هذا الأمر عمّا يقال، بل كان عن الشّيء، فمزعم من يفكّر في جبلٍ ذهبيٍّ لا يمكنه إلّا أنْ يكون في أفضل الأحوال شيئًا يُعتقد أو يُتخيّل بأنّه ذهبيٌّ وجبلٌ [...] فهو مغلوطٌ حتمًا؛ لأنّه سيكون ذهبيًّا وجبلًا إذا كان عن الشّيء.» (259). دعنا الآن نعود إلى مفارقة الأشياء التي لا كينونة لها، والتي وفق ميتافيزيقا ماينونغ تكون شبيهةً بالمربّع المستدير، بيد أنّها ليست موجودةً ولا يمكننا تفريدها من دون أيّ مرجعيّةٍ.

وفي حين أنّ المربّعات المستديرة والجبال الذّهبيّة لا يمكنها أنّ تكون موضوعاتٍ من مواقف عن الشّيء، فالأمر مختلفٌ لدى مخلوقات الزّومبي، ومصّاصي الدّماء، وشيرلوك هولمز، وما شابهها من الشّخصيّات الخياليّة. خذ مثلًا: عندما نتكلّم عن جايمس بوند فنحن عادةً ما نعني الشّخصيّة التي ابتكرها إيان فليمينغ «Ian Fleming». ولا نقصد عالم الطّيور الحقيقيّ الذي استمدّ فليمينغ اسم شخصيّته الاستخباراتيّة الخياليّة منه. إذًا، إنّ موقفنا من جايمس بوند هو موقفٌ عن الشّيء: نحن نشير إلى شخصيّة بوند التي ابتكرها فليمينغ، وليس عالم الطّيور (والعكس صحيحٌ). وخلافًا لذلك، لا يشير المربّع المستدير إلى اسمٍ بديلٍ أقلّه وفق استخدام ماينونغ. أمّا فعل ذلك فيستلزم أن يمتلك المربّع المستدير حالاتٍ متنوّعةً، وهو ما يناقض فكرة أنّه لاموجودٌ.

وهكذا نبلغ الطّريقة الثّانية التي لا تشبه فيها الشّخصيّات الخياليّة مربّعًا مستديرًا. على سبيل المثال: شخصيّة دراكولا التي ابتكرها برام ستوكر «Bram Stoker». ليست هذه الشّخصيّة فردًا غير ميتٍ ذا هيئةٍ وشكلٍ متحوّلين، حيث تعيش على دماء البشر فحسب. ففي كونٍ بديلٍ لا ذكر فيه لمصّاصي الدّماء، ولا أعني بذلك غياب قصص مصّاصي الدّماء، بل غياب المصطلح نفسه والمفهوم الذي يمثله، سيعدّ «الفرد غير الميت الذي يمصّ الدّماء» شيئًا لا كينونة له، تمامًا كالمربّعات المستديرة، والجبال الذّهبيّة، وما شابهها. عندما يبرز شيءٌ خياليٌّ في سياقٍ تمثيليٍّ ومقدّسٍ ثقافيًّا، فهو يبلغ مكانةً مختلفةً عن «الشّيء الذي لا يملك كينونةً». إنّ الحلقات الفلسفيّة التي تناقش «المربّع المستدير» أو «الجبل الذهبيّ» تضع هذين المصطلحين في دائرة الشّخصيّات التي ابتكرها فليمينغ أو ستوكر. وعلى الرّغم من ذلك، فهما يمثّلان حجّةً، ولكن من غير المرجّح أنْ تكون ضمن كونٍ مركّبٍ (خياليٍّ). وخلافًا لذلك، لا يُطلب منّا تخيّل وجود مربّعٍ مستديرٍ بل الاعتقاد بلاوجوده. من جهةٍ أخرى، ستُعدّ مسرحيّة هامليت «Hamlet» مأساةً غير فعّالةٍ إذا أوّلناها كأنّها رسالةٌ في لاوجود أميرٍ عصابيٍّ. ولكنّ هذا سيثير سؤال القيمة الصّدقيّة للخطاب الخياليّ والمكانة الوجوديّة لشخصيّاتها.

ديفيد لويس والوقائع المضادة

سننتقل الآن إلى ديفيد لويس الذي يستحقّ الاستشهاد به كثيرًا عن موضوع القيمة الصّدقيّة للخطاب الخياليّ:

«إنّ فعل استدلال الصّحّة في الخيال شبيهٌ إلى حدٍّ كبيرٍ بالاستدلال المضادّ للواقع. فنحن نفترض افتراضًا مخالفًا للواقع [...]. ولكنّنا لا نستخدم المقدّمات الوقائعيّة استخدامًا حرًّا؛ لأنّ بعضها سيسقط نتيجة التّغيير الذي يأخذنا من الواقعيّة إلى الوضع المضاد للواقع الذي تصوّرناه. [...] لذا، سنبتعد عن الفعليّة بقدر ما يجب لبلوغ عالمٍ ممكنٍ حيث يتحقّق فيه الافتراض المضاد للواقع (وقد يكون ذلك بعيد المنال إذا كان الافتراض خياليًّا).» (Lewis 1983, 269).

علاوةً، يرفض لويس المقاربة الماينونغيّة؛ لأنّ تعقيدها لا داعي له. ويقترح مفهوم «التّناقل بين الخياليّ» «Inter-fictional carryover» (274)، عوضًا عن التّنظير عن الأشياء اللّاموجودة في سياق السّرديات الخياليّة. ويعني بطرحه أنّ كلّ معرفةٍ اكتسبناها عن شيرلوك هولمز في قصّةٍ محدّدةٍ (مثلًا، إنّه محقّقٌ بارعٌ، ويعاني من الاكتئاب، ويعزف على الكمنجا، إلخ.)، سنطبّقها على جميع التّجسيدات الخياليّة لشخصيّة دويل «Doyle». ومن دون هذا المبدأ، ستشكّل معظم القصص تحدّياتٍ لفهمنا:

«لقد أشرت إلى قصص هولمز التي ألّفها كونان دويل، ولكنْ ثمّة كتّابٌ آخرون ألّفوا قصصًا عن هولمز. [...] ولا ريبَ من وجود أمورٍ صحيحةٍ عدّة في هذه القصص الفرعيّة [...]؛ لأنّها تناقلت من قصص هولمز الأصيلة التي وضعها كونان دويل. وعلى هذا النّحو، عوضًا عن طرحنا سؤال: ما الصّحيح في مجموعة كونان دويل عن قصص هولمز كلّها؟ نسأل: ما الصّحيح في رواية «كلب آل باسكرفيل» «The Hound of the Baskervilles»؟ فسنجد حتمًا أمورًا صحيحةً عدّة في تلك القصّة بفضل التّناقل من قصص كونان دويل الأخرى عن هولمز» (ibid.).

إنّ مفهوم التّناقل بين الخياليّ مفيدٌ ومبدعٌ، لكنّه لا يحتاج إزالة شبه الوجود، ولا يناقش القضايا الشّائكة التي يشملها شبه الوجود.

دعنا نرى بالتّفصيل منطق المضاد للواقع وارتباطه بالخيال، إذ على الرّغم من إمكانيّة تخيّل المُقدّم «antecedent» في الحالتين، يجب أن تمتلك بعض شروطه المسبقة أساسًا واقعيًّا (أي في عالمنا الفعليّ). لذلك، إنّ سؤالنا: «هل سيختار شكسبير صناعة الأفلام لو كان على قيد الحياة اليوم؟» يحمل بعض الارتياب المنطقيّ. فلنتخيّل مثلًا شكسبير يعمل في مجال صناعة الأفلام اليوم، إذ سيكون علينا افتراض رجلٍ وُلد في القرن السّادس عشر، وهو على قيد الحياة، وفي صحّةٍ جيّدةٍ في القرن الحادي والعشرين، إمّا بوساطة استخدامه آلةً زمنيّةً، إمّا من خلال نهله من ينبوع الشّباب. أمّا إذا حسبنا في تاريخٍ بديلٍ أنّ شكسبير قد وُلد بعد أربعة قرونٍ، فهذا لن يسهّل المشكلة المطروحة أمامنا. والمنطق المطروح هو أنّ وليام شكسبير ذاك الإنسان من لحمٍ ودمٍ، والمسؤول عن كتابة العديد من المسرحيّات والسّونيتات الشّعريّة كان ما كان عليه جزئيًّا بسبب تركيبته الجينيّة /حمضه النّوويّ التي ورثها من والديه. ففي سياق العالم الواقعيّ أقلّه، أؤيّد سول كريبكي «Saul Kripke»[9]. إنّ افتراضنا خلاف ذلك سيشكّل ما أسماه لويس «المقدّم المستحيل» «impossible antecedent»، أي واقعًا مفترضًا «يختلف عن عالمنا في مسائل الصّحّة الفلسفيّة، والرّياضيّة، وحتّى المنطقيّة» (1973, 24).

يثير هذا الأمر احتمالاتٍ مقلقةً لنظريّاتٍ عدّة مبنيّةٍ على التّفكير المضاد للواقع، على الرّغم من إمكانيّة التّحايل على هذه الصّعوبة. خذ مثلًا، التّفكّر المشهور الذي وضعه وليرد كواين «Willard V. O. Quine» عن الطّريقة التي كان من الممكن أنْ يحارب بها يوليوس قيصر لو كان حيًّا في أثناء الحرب الكوريّة.[10] وكما يشير مارك لانغ «Marc Lange» أنّنا إذا افترضنا أنّ هذا القيصر هو القيصر نفسه الذي كان أمبراطورًا رومانيًّا، وتاليًا يجب أن يكون شخصًا خالدًا، فسيكون افتراضنا ضربًا من الغلوّ. إذ تشمل غاية الواقع المضاد مهارات قيصر بصفته قائدًا عسكريًّا تكتيكيًّا، ولا تنطوي على خلودٍ مفترضٍ. ثمّ يضيف لانغ إلى أنّ المقدّم «إذا كان قيصر سيحارب في كوريا»، قد يكون «متناسقًا مع القانون [الطّبيعيّ]» (1993, 263)، على الرّغم من التزامه بما قد أسماه «الحفظ الاسميّ» «nomic preservation»، ومفاده: إنّ الاستدلال المضاد للواقع في المنطق ملزمٌ بالقوانين الطّبيعيّة[11]. وإذا سلّمنا بهذا الأمر، يبقى السّؤال: كيف يمكن توصيف تمثيل قيصر في كلّ عبارةٍ من هاتين العبارتين؟ في المقابل، إذا رفضنا الحفظ الاسميّ، كما فعل ديفيد لويس، فلا يزال يتعيّن علينا شرح المنطق الذي نُقل وفقه قيصر إلى كوريا في الخمسينات. بينما يستحضر جون هالبين «John Halpin» إمكان حدوث المعجزات[12]. لكنّني أقدّم تفسيرًا أبسط إلى التّفكّر بمسألة قتال قيصر في كوريا.

ولكنْ، في نهاية المطاف، سيكون ذاك الإنسان المكوّن من لحمٍ ودمٍ المعروف في التّاريخ، أي شخصيّة يوليوس قيصر البيولوجيّة، قد ضاع. ووفق لانغ، لقد جُرّدت الخصائص الشّخصيّة من هذا الشّخص البيولوجيّ، وأُدرجت تحت تعريفٍ داخليٍّ أو ثقافيٍّ مختلفٍ، أو تحت شخصيّةٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ. وتقرب هذه الفكرة من مفهوم التّجريد الدّقيق «precisive abstraction» الذي طرحه تشارلز ساندرز بيرس «Charles S. Peirce»[13]. وحتّى لو رفضنا العبارتَين الأخيرتين، فيبدو عبثًا التّساؤل ما إذا كان ذاك القيصر في العالم البديل الذي حارب في كوريا لا يزال قيصر عالمنا، ولو كان مولودًا من أبوين مختلفين. قد يستحضر لويس في هذا الإطار نظريّة تشابه النّظراء: إنّ قيصر كوريا هو نظيرٌ مشابهٌ لقيصرنا، ولكنّه ليس الرّجل نفسه. ومن دون رفض هذا الشّرط رفضًا تامًّا، سأنبّه إلى واقعة أنّ معتقدنا بالوجود الفعليّ للعوالم مبنيٌّ على إصرار لويس، وهو ما يستجلب المزيد من الإشكالات الجدليّة[14]. وبالعودة إلى عالمنا الخياليّ، حيث حارب فيه قيصر في كوريا، ينبغي علينا تصوّر أنّ هذا الأخير يستفيد من نسخةٍ معدّلةٍ إمّا من الانوجاد إمّا من الوجود، وذلك على غرار ما يحدث عند خلق الشّخصيّات الخياليّة.

يؤكّد لويس أنّ ما نعتقد بأنّه صحيحٌ في العالم يؤخذ على كونه صحيحًا في الخيال، ما لم ينصّ على خلاف ذلك[15]. وعلى الرّغم من ذلك، ثمّة شرطٌ ضروريٌّ لشخصيّة المرء المنفردة، فلنسمّها التّبعيّة الوراثيّة «hereditary dependency»، حيث لا تنتقل إلى الخيال، ولا ينصّ خلاف ذلك أبدًا. في مسلسل شيرلوك الذي عُرض على قناة بي بي سي، لقد حُدّث المحقّق هولمز، حيث لم يعد يعيش في إنكلترا الفيكتوريّة، بل في لندن المعاصرة. ولكنْ لم يتحدّث صانعو المسلسل عن نقل عائلة هولمز كلّها وسلالته قرنًا من الزّمن تقريبًا، على الرّغم من واقعة أنّ أخاه مايكروفت «Mycroft» يظهر في المسلسل. وعوضًا عن ذلك، نفهم أنّ شيرلوك هولمز والشّخصيّات المحيطة به (واتسون، والسيّدة هادسون، ومايكروفت، وموريارتي، ولستراد، وأيرين أدلير، إلخ.) قد حُدّثوا بدورهم، بغضّ النّظر عمّن يكون أباؤهم الخياليّون.

إنّ التّركيبة الكروموزوميّة للشّخصيّات الخياليّة بعيدةٌ تمامًا عن هويّاتهم المتخيّلة، لذلك يمكنهم تبديل جنسهم من خيالٍ إلى آخر. ولعلّ المثَل الأكثر شهرةً في تاريخ الأفلام هو عندما أعاد هاورد هوكس تخيّل هيلاري جونسون من فيلم «The Front Page» على أنّها امرأةٌ (قارن «His Girl Friday»، 1940). ومن الأمثلة الحديثة، مثَلٌ آخر عن شيرلوك هولمز، حيث شهد تجسيدًا أكثر جذريّةً، عنيت المسلسل التّلفزيونيّ «Elementary» الذي حوّل جون واتسون إلى جوان واتسون «Joan Watson»، وفي حبكةٍ قصصيّةٍ مذهلةٍ أعاد تصوير شخصيّة موريارتي بصفتها امرأةً تبنّت شخصيّة أيرين أدلير (المزيّفة). إنّ أسئلة «ماذا لو؟» المضادة للواقع والتي تقود هذا السّرد القصصيّ تعزّز النّقطة المحوريّة التي تفيد بأنّ الشّخصيّات لا تستفيد من الثّبات الجينيّ/ الكروموزوميّ، ولكنّها تبقى على ما هي عليه بصفتها مركّباتٍ خياليّة. وغالبًا ما تقوّض روايات دراكولا وسوبرمان هذا الثّبات المذكور. خذ مثلًا، الرّواية المصوّرة «الابن الأحمر» «Red Son» التي تمّ تحويلها لاحقًا إلى فيلم، حيث لم يصوّر فيها سوبرمان بصفته ابن جور آل «» الذي ينحدر من كوكب كريبتون «Krypton»، بل سليل ليكس لوثور «Lex Luthor» الذي بعثه إلى الماضي بوساطة كبسولةٍ عابرةٍ للزّمن من كوكب الأرض. خذ مثلًا آخر، فيلم دراكولا 2000 «Dracula 2000» للمخرج واس كرايفين «Wes Craven»، حيث لم يعد فيه مصّاص الدّماء دراكولا الشّخصيّة التّاريخيّة فلاد تيبيش «Vlad Tepes» بل يهوذا، وفي هذه الحالة، تحوّل مصّاص دماء الرّوائيّ ستوكر من شخصيّةٍ تاريخيّةٍ إلى أخرى مختلفةٍ تمامًا. وفي المَثَليْنِ، عنيت سوبرمان ودراكولا، بقيت الشّخصيّتان على ما هما عليه. عنيت أنّ سوبرمان لا يزال يُفهم على أنّه سوبرمان، ودراكولا لا يزال دراكولا، حتّى لو لم يعودا كما هما جينيًّا. وتاليًا، إنّ من يكونا عليه وطريقة إثارتنا لهذه المسألة يصبح السّؤال الأساسيّ.

شبه الوجود

تكرارًا لما سبق، إنّ الشّخصيّات الخياليّة ليست موجودةً فعليًّا. وحتّى لو كانت مركّباتٍ خياليّةً، فهي تفتقر إلى الخصائص الحاسمة التي تحدّد الأشياء الموجودة. ولعلّ أهمّها هو ما أسميته التّبعيّة الوراثيّة «hereditary dependence»، ومفادها: يجب علينا أنْ نأخذ بالحسبان التركيبة الجينيّة/ الحمض النّوويّ عند تفريد البشر. ولكنّ الأمر لا ينطبق على الشخصيّات الخياليّة، إذ نفترض ضمنيًّا أقلّه أنّها تمتلك بعضًا من التّركيبة الجينيّة/ الحمض النّوويّ. ولكنّ هذه التّركيبة (المفترضة والمتخيّلة) قد تتغيّر من تجسيدٍ نصّيٍّ لآخر. وعلى الرّغم من ذلك، يبقى شيرلوك هولمز هو شيرلوك هولمز، سواءٌ أكان حيًّا اليوم أم منذ أكثر من قرنٍ مضى. فنحن نسلّم ضمنيًّا بهذه التّناقضات في شخصيّته البيولوجيّة والتّاريخيّة (المتخيلة). ونفعل ذلك بالقدر نفسه وبشكلٍ اعتياديٍّ من دون اشتراط بافتراضاتٍ تفسيريّةٍ إضافيّةٍ (مثلًا: إذا كان شيرلوك هولمز حيًّا اليوم، وليس في العصر الفيكتوريّ، فهذا يعني أنّ نسبه العائليّ يجب أن يكون قد تغيّر لأكثر من قرنٍ).

لهذه الأسباب، إنّ الشخصيّات الخياليّة هي أكثر من مجموع خصائصها كما تُستحضر في العوالم الخياليّة[16]. وإذا صحّت هذه العبارة، فستكون تفسيرات الشّخصيّة الخياليّة المحدودة بـ«الصّحّة في الخيال» و/ أو العوالم الممكنة غير كافيةٍ. بالفعل، تنصّ «الصّحّة في الخيال» أنّنا نعرف الخصائص أو نميّز سمات شخصيّةٍ ما بناءً على السّياق الخياليّ الأوّليّ، ثمّ نطبّق هذه المعرفة على السّياقات الأخرى. على سبيل المثال، نحن نعرف من يكون عليه شيرلوك هولمز في ظهوره الأدبيّ الثاني، أي قصّة علامة الأربعة «The Sign of Four»، وذلك على أساس طريقة تصويره في ظهوره الأدبيّ الافتتاحيّ في قصّة دراسة في اللّون القرمزيّ «A Study in Scarlet»، ثمّ نوسّع ذلك الأمر في علم دلالة العوالم الممكنة. ومن شخصيّة شيرلوك لدويل وصولًا إلى نسخة قناة بي بي سي، نرى أنّنا أمام بدائل مضادةٍ للواقع للشّخصيّة نفسها، بمعنى آخر، لقد استُبدل سؤال «ماذا لو وُجد محقّقٌ عظيمٌ يعيش في لندن حوالي سنة 1887؟» بسؤال: «ماذا لو وُجد محقّقٌ عظيمٌ يعيش في لندن اليوم؟» إذ اشترطنا عوالم بديلةً، وشيرلوك هولمز جزءٌ لا يتجزأ من هذا العالم، حتّى لو كان جزءًا محوريًّا منه.

ولكنْ، بات واضحًا أنّ ما سبق يُثبت عدم كفايته. وعلى الرّغم من العوامل، كالتّبعيّة الوراثيّة، يبقى شيرلوك هولمز دائمًا شيرلوك هولمز على نحوٍ يتجاوز المواصفات المحدّدة لعالمه المتخيّل (أي أصله العائليّ المتخيّل). وإذا بدا هذا الأمر في أفضل الأحوال تفاهةً لا تلائم المنطق المضاد للواقع والنّظريّة التّأويليّة، ففكّر في مجموعةٍ من الأمثلة المضادة، مثلًا: الشّخصيّات التي تغيّر علنًا والديها، وجندرها، وشخصيّتها، وحتّى في أحد اقتباسات قصّة هولمز نراها تغيّر أسماءها[17]. وتحتفظ بهويّةٍ مستدامةٍ عابرةٍ لهذه التّناقضات. وعلاوةً على ذلك، لا تُفسَّر هذه الهويّة المستدامة وهذه التّناقضات أبدًا ضمن الواقع المتخيّل لعوالمها، أو «صحّة» تصويراتها المتخيّلة. وأيًّا تكن الطريقة التي نعالج فيها المشكلة، لا يمكن اختزال الشّخصيّات الخياليّة في تجسيداتها النّصّيّة الجماعيّة و/أو عوالمها المتخيّلة الجماعيّة. تُفَسَّر استدامتها وتناقضاتها وفق مبدأ موحّدٍ آخر، وهو ما أسمّيه شبه الوجود.

أعني بشبه الوجود أنّ الشّخصيّات في سياقاتها الخياليّة تستفيد من العديد من الخصائص التي تحدّد شخصيّات البشر الحقيقيّين وليس كلّها. كما تشارك العديد من السّمات التي أطلق عليها موراي سميث «Murray Smith» «مخطّط الشّخص» «person schema». وعلى هذا النّحو، تمتلك الشّخصيّات أجسادًا ووعيًا، فضلاً عن النّوايا، والعواطف، والخصوصيّات[18]. زد على ذلك، لديها تاريخٌ شخصيٌّ مستدامٌ، كما الحال عند الأشخاص الحقيقيّين، مثلًا: نعلم أنّ شيرلوك هولمز قد زيّف موته.

وفي الوقت نفسه، تفتقر هذه الشّخصيّات حتّى في سياقاتها الخياليّة الخصائص المميّزة للبشر الحقيقيّين، وتاليًا يمكن في أيّ وقتٍ أنْ تخضع قلّةٌ من خصائصها المميّزة إلى تغيّرٍ كبيرٍ، إنْ لم نقل تغيّرٍ غير قابلٍ للمقارنة. وهذه التّغيّرات المحوريّة لا تقوّض بالضّرورة الهويّة المتخيّلة للشّخصيّة ، إذ عوضًا عنها تظهر صورةٌ مركّبةٌ، حيث تشمل التّناقضات التي لا يمكن التّوفيق بينها، وتتجاوز المزاعم الصّدقيّة لعوالمها الخياليّة. فهي ليست موجودةً في العالم الواقعيّ (أي كالنّاس)، ولا موجودةً في إطار حدود سياقاتها الخياليّة (أي تكون صحيحةً بحكم تناقلها بين الخياليّ). وعوضًا عن ذلك، تقطن هذه الشّخصيّات موقعًا وسطًا، وخير تصنيفٍ له هو شبه الوجود.

خاتمة

وخلاصة القول، إنّ الشّخصيّات الخياليّة وفق وجودها الخياليّ أو المتخيّل قد قوربت بوساطة طريقتين: أوّلًا: لقد تمّت مساواتها بالأشياء اللّاموجودة، وهو مفهومٌ استُمدّ من ميتافيزيقا أليكسيوس ماينونغ. ثانيًا: تمّ افتراضها نتيجةً طبيعيّةً للعوالم المتخيّلة. لذلك كلّ ما يكون صحيحًا من ضمن العالم المتخيّل يصحّ على شخصيّاته. وقد ارتأيت أنّ التّفسيرَيْن ليسا كافيَيْن. أمّا في ما يخصّ طريقة تفريدهما، فلا يمكن مساواة الشّخصيّات الخياليّة بالأشياء اللّاموجودة عند ماينونغ. فبالحدّ الأدنى تنوجد الشّخصيّات الخياليّة داخل كونٍ متخيّلٍ. إذ يمكنها أنْ تكون موضوع المرجعيّة، خلافًا للأشياء اللّاموجودة التي ناقشها ماينونغ. وهذا ما يقودنا إلى التّفسير المناوئ لديفيد لويس عن «الصّحّة في الخيال».

لكنّ الشّروط المعرفيّة التي تُحدّد وفقها الشّخصيّات، ليست معطاةً كلّها في عوالمها المتخيّلة. خذ مثلًا: سوبرمان لا يزال سوبرمان، في حين نعرف أنّه أرضيٌّ وليس كريبتونيّ. وعلى النّحو نفسه، يفهم محبّو شيرلوك هولمز الذين يشاهدون حلقة «His Last Vow» أنّ شخصيّة تشارلز أغوست ماغنوسن «Charles August Magnussen» هي في الواقع تشارلز أغسطس ميلفيرتون «Charles Augustus Milverton» (وهي من قصّة مغامرة تشارلز أغسطس ميلفيرتون «The Adventure of Charles Augustus Milverton») على الرّغم من تغيّر اسمه[19]. وهذا يعني أنّ الشّخصيّات الخياليّة تستمدّ هويّاتها المستدامة من أكثر من طريقة استحضارها في العوالم الممكنة. هكذا، يشير شبه الوجود إلى الوجود المتخيّل للشّخصيّات ما بعد ظهورها المتعدّد وتناقضاتها التي لا يمكن التّوفيق بينها من مظهرٍ إلى آخر. وقد يبدو المصطلح غير بديهيّ، بيد أنّه يبقى التّوصيف الأقلّ احتمالًا عند مقارنته بالتّفسيرات المطروحة حتّى الآن.

أمّا إذا سلّمنا بشبه الوجود بصفته مفهومًا ذا معنى، فهو ينقل بدقّةٍ المكانة الوجوديّة للكائنات الخياليّة. ندرك أنّ لدى الكائنات شبه الموجودة خصائص واقعيّة عدّة، ولكنّها قد تفتقر إلى بعض السّمات المحدّدة، حتّى ضمن سياقٍ متخيّلٍ. كما ندرك أنّ الكائنات شبه الموجودة هي أكثر من مجموع تجسيداتها النّصّيّة، وتحقّق استمراريّة الهويّة على نحوٍ مستقلٍّ عن عوالمها. أخيرًا، وهو الأهمّ، ندرك تمامًا أنّ الأفراد الحقيقيّين يقربون من مكانة شبه الوجود عندما يُستحضرون في سياقٍ مختلقٍ. هكذا، بالعودة إلى التّجربة الفكريّة عن قيصر كوريا: يصبح قيصر كيانًا شبه موجودٍ، خلافًا لكونه شخصيّةً خياليّةً، وتاليًا تُعدّ الرّوايات التّاريخيّة كأنّها تبني شخصيّاتٍ لا تقلّ اختلافًا في واقعيّتها عن الأفراد الخياليّين الذين ابتُدعوا ابتداعًا تامًّا. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ اتّساع نطاق ما نفهمه بكلمة «عالم» في نظريّات الخيال قد يتداخل أكثر مع عالمنا الحقيقيّ[20] ممّا كنّا قد تصوّرناه سابقًا.


 


[1] إنّ اعتبارنا النّسخ المتعدّدة لشيرلوك هولمز ممثّلةً شيرلوك هولمز «نفسه» هو تعميمٌ مقبولٌ. عنيت أنّها نسخٌ بديلةٌ للشّخصيّة الخياليّة الواحدة. وقد تشمل الاستثناءات عندما تشير الرّواية الواحدة أو العمل الواحد صراحةً إلى وجود عوالم ونسخٍ متعدّدةٍ للشّخصيّة نفسها (مثلًا: شيرلوك: العروس البغيضة «Sherlock: The Abominable Bride»). ويعتمد ذلك على التّمييز بين ما يمكن تسميته بـ«الهوية العابرة للعوالم» و«تشابه النّظراء» (راجع: Lewis: 1973, 36-43; 1983, 266-267; and 1986, 192-220). وتقريبًا يحاجّ لويس دفاعًا عن الهويّة العابرة للعوالم في إطار العوالم الخياليّة، وعن تشابه النّظراء في إطار العوالم الممكنة (غير الخياليّة). وسأعود لاحقًا إلى هذا الموضوع بإيجازٍ.

[2] للاطّلاع على نقاشها في الميتافيزيقا، راجع: Parsons: 1980. وفي علم دلالة العوالم الممكنة، راجع: Lewis 1983. وفي نظريّات الخيال، راجع: Ryan 1991.

[3] راجع: Smith 1995, 17-39.

[4] تُنسب الحجّة المدافعة عن الأشياء اللّاموجودة إلى ألكسيوس ماينونغ. والحقّ لم يكن ماينونغ مهتمًّا بنظريّات الخيال، بيد أنّ المتخصّصين بالدّراسات الماينونغيّة قد طبّقوا ميتافيزيقيّته على نظريّات الخيال، راجع: Parsons 1980, 49-60 and 175-211؛ وراجع أيضًا: Pasniczek 2001. أنا لن أعلّق مباشرةً على هذه الجهود، لكنّني سأكتفي بالإشارة إلى أنّ الشّخصيّات الخياليّة قد تكون مختلفةً تمامًا عن الأشياء اللّاموجودة كما وصفها ماينونغ. وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي أن يقوّض أيّ نظريّة خيالٍ ماينونغيّةٍ، لذلك يجب أقلّه تصحيح التّناقضات الواضحة في المنهجيّة.

[5] وبذلك، أضع نفسي أيضًا في صفّ فلسفة اللّغة المثاليّة؛ لأنّ اللّغة العاديّة لا تستطيع تفسير تجربتنا في العالم بشكلٍ كافٍ، حيث يجب علينا أن نضع مصطلحاتٍ متماسكةً داخليًّا ومتّسقةً منطقيًّا. وآمل أن يكون «شبه الوجود» ملائمًا للمكانة الوجوديّة للشّخصيّات الخياليّة.

[6] قوبل عمل ماينونغ باعتراضاتٍ صاخبةٍ، حيث أتت خصوصًا من برتراند راسل (راجع: Russell 1973, 21-93). وفي السّنوات التي تلت ذلك، حظي ماينونغ بإعادة تقييمٍ (راجع مثلًا: Jacquette 2015, Perszyk 1993؛ فضلًا عن المقالات التي جُمعت في: Griffin and Jacquette 2009). وقد اكتفيت بالمحاججة بأنّ الأشياء اللّاموجودة والشّخصيّات الخياليّة هي كياناتٌ غير قابلةٍ للمقارنة. وقد تركت جانبًا القيمة الجوهريّة لنظريّة ماينونغ الأصليّة.

[7] عادةً ما تكون الأشياء المحسوسة موجودةً، بينما تكون الكلّيّات المجرّدة منوجدةً. راجع: Russell 1997, 100. وعلى هذا النّحو، وفق أحد المنظّرين، «إنّ شيرلوك هولمز [إذا اعتبرناه مؤشّرًا جامدًا] يشير إلى شيءٍ مجرّدٍ يكون موجودًا فعليًّا» (Contessa 2009, 263). نعني بـ«المؤشّر الجامد» «rigid designator» أنّ شيرلوك هولمز بوصفه اسمًا يشير إلى شيءٍ واحدٍ فحسب، وهو المحقّق الخيالي الذي ابتدعه دويل. ولكنّ هذا يناقش المشكلة عكسيًّا، حيث يمكن للشّخصية نفسها أن تغيّر الأسماء من تجسيدٍ نصّيٍّ إلى آخر، مثلًا: إنّ شخصيّة تشارلز أغسطس ميلفيرتون في القصّة التي وضعها كونان دويل (مغامرة تشارلز أغسطس ميلفيرتون)، يتحوّل إلى تشارلز أغوست ماغنوسن في مسلسل شيرلوك. وسأعود إلى هذه المشكلة لاحقًا في هذا الفصل.

[8] يمكن تأويل عبارة «أريد أن أشاهد فيلم ستيف ماكوين» على نحوٍ مختلفٍ. وفق عمّا يقال، لن يوجد تمييزٌ بين اسم الممثّل والمخرج، أي يكفي أيّ فيلم يحمل الاسم بحدّ ذاته. بينما يفترض عن الشّيء عكس ذلك، أي سيكون إمّا اسم الممثّل وإمّا اسم المخرج. وهذا مثَلٌ سخيفٌ وُضع للتّبسيط، فقد أجريت تمييزاتٌ أكثر تعقيدًا.

[9] Kripke 1980, 113. وفي نواحي أخرى، يختلف بحثي عن بحثه، راجع نظريّته في الخيال (Kripke 2013, 55-78) التي تشبه نظريّة كونتيسا (Contessa 2009).

[10] تُنسب هذه التجربة الفكريّة إلى كواين أساسًا، على الرّغم من أنّني لا أعلم ما إذا كان قد نشرها أم لا. كما ذكرها ديفيد لويس من دون الإشارة إلى صاحبها (Lewis 1973, 66-67).

[11] على الرّغم من أنّ المصطلح هو مصطلح لانغ فإنّ، تفسيره للحفظ الاسميّ ليس سوى أحد التّفسيرات، حيث انتُقد بسببه (Demarest 2012). راجع أيضًا: Lange 2009. وقد تجنّبت هذا التّحديد في السّياق الحاليّ.

[12] Halpin 1991.

[13] راجع: Zeman 1983.

[14] راجع: Lewis 1986. للاطّلاع على تفسيرٍ يناصر الواقعيّة الجهويّة «modal realism» للويس، راجع: Bricker 2006. وللاطّلاع على نقدٍ له، راجع: Chihanna 1998, 76-103. ولا يمكنني مناقشة هذا الجدال هنا، وعوضًا عن ذلك سأكتفي يتسليمي بموقف كريبكي على أنّ العوالم الممكنة كياناتٌ متخيّلةٌ ابتدعناها، ولا تحتاج إيمانًا فعليًّا بها. راجع بخاصّةٍ: Kripke 1980, 15-20 and 43-44.

[15] وقد تجد الفكرة نفسها في مواضعَ أخرى بعبارة «مبدأ الانطلاق الأدنى» «principle of minimal departure». راجع: Ryan 1991, 48-60.

[16] قد لا يتّضح إلى أيّ مدى تمتلك الشّخصيّات الخياليّة خصائصَ أساسيّةً (متخيّلةً). يمكننا تخيّل إعادة سرد قصّة شيرلوك هولمز على نحوٍ لم يصبح فيها محقّقًا مشهورًا يعيش في شارع بايكر 221B، بل شخصًا كرّس حياته لتربية النّحل، بعيدًا عن لندن. لا يمكنني التّوسّع أكثر في هذا الموضوع، لذا خلاصة الكلام: كلّ مظهرٍ محدّدٍ لشخصيّةٍ خياليّةٍ ما قد يكون عرضةً للتّغيير الجذريّ. فالشّخصيّة من خلال تجسيداتها المتعدّدة يمكن تحديدها انطلاقًا من »التّشابهات العائليّة»، بدلًا من الشّروط الضّروريّة/ الكافية. وكذلك، يجب أن يكون أمامنا حدًّا فاصلًا، فإذا تجاوزناه، لا يمكننا التّعرّف على الشّخصيّة (أي أنّ شيرلوك هولمز لا يستطيع الخضوع إلّا لتغييراتٍ محدودةٍ: في المهنة، والطّبع، والاسم، إذ يتحوّل بعدها إلى شخصيّةٍ مختلفةٍ تمامًا).

[17] راجع الملاحظة 7 أعلاه عن تشارلز أغسطس ميلفيرتون/ماغنوسن. راجع أيضًا حالة «هيرلوك شولمز» «Herlock Sholmes»، وهي محاكاةٌ ساخرةٌ وضعها موريس لوبلانك «Maurice Leblanc». تخيّل سلسلةً من قصص «شولمز» تكرّر الحُبكات الأساسيّة في قصص دويل الأصليّة. ألا تُعدّ تلك القصص تدخّلاتٍ في عالم هولمز وتتساوى مع أي أعمالٍ مقتبسةٍ أو متفرّعةٍ عنه؟ أمّا افتراض صلةٍ ضروريّةٍ وحصريّةٍ بين الاسم الخياليّ والهويّة (أي لا يمكنه أن يكون شيرلوك هولمز إلّا إذا كان اسمه شيرلوك هولمز) فيبدو ضعيفًا وتفكيرًا عقائديًّا.

[18] للاطّلاع على هذا الموقف موسّعًا، راجع: Smith 1995, 20-24. فقد أعدت صياغة موقف سميث، حيث ضمّ تعداده: «الجسم البشريّ المنفصل»، و«الوعي الذّاتيّ»، و«الحالات القصديّة»، و«المشاعر»، و«الصّفات الدّائمة» (21).

[19] راجع الملاحظتين 7 و17 أعلاه.

[20] بالطّبع يفترض مسبقًا هذا الموقف وجود عالمٍ فعليٍّ واحدٍ فحسب، وهو ما اشتُهِر غودمان برفضه (Goodman 1978)، على الرّغم من أنّ اسميّة غودمان «nominalism» لن تقوّض الآراء المطروحة هنا.

 

الكتب والمقالات

Bricker, Phillip. 2006. “David Lewis: On the Plurality of Worlds.” In: Central Works of Philosophy, Volume 5: The Twentieth Century: Quine and After, edited by John Shand, 246-267. Montreal: McGill-Queen’s University Press.

Chihara, Charles S. 1998. The Worlds of Possibility: Modal Realism and the Semantics of Modal Logic. Oxford: Clarendon Press.

Contessa, Gabriele. 2009. “Who is Afraid of Imaginary Objects?” In: Griffin and Jacquette, Russell vs. Meinong: The Legacy of “On Denoting.”, 248-265, New York: Routledge.

Demarest, Heather. 2012. “Do Counterfactuals Ground the Laws of Nature? A Critique of Lange.” Philosophy of Science 79: 333-344.

Doyle, Arthur Conan. (1904/1905) 2010. “The Adventure of Charles Augustus Milverton.” In: The Return of Sherlock Holmes, 123-137. Mineola: Dover Publications.

Goodman, Nelson. 1978. Ways of Worldmaking. Indianapolis: Hackett Publishing Company.

Griffin, Nicholas and Jacquette, Dale (eds.). 2009. Russell vs. Meinong: The Legacy of “On Denoting.” New York: Routledge.

Halpin, John. 1991. “The Miraculous Conception of Counterfactuals.” Philosophical Studies 63 (3): 271-290.

Jacquette, Dale. 2015. Alexius Meinong, The Shepherd of Non-Being. Cham: Springer.

Kripke, Saul. 1980. Naming and Necessity. Oxford: Blackwell Publishers Ltd.

—. 2013. Reference and Existence: The John Locke Lectures. Oxford: Oxford University Press.

Lange, Marc. 1993. “When Would Natural Laws Have Been Broken?” Analysis 53 (4): 262-269.

—. 2009. Laws and Lawmakers: Science, Metaphysics, and the Laws of Nature. Oxford: Oxford University Press.

Leader, Michael. 2010. “Steven Moffat and Mark Gatiss Interview: Sherlock,” Den of Geek, July 21. http://www.denofgeek.com/tv/sherlock/20536/steven-moffatand-mark-gatiss-interview-sherlock.

Lewis, David. 1973. Counterfactuals. Cambridge: Harvard University Press.

—. 1983. Philosophical Papers: Volume I. Oxford: Oxford University Press.

—. 1986. On the Plurality of Worlds. Oxford: Oxford University Press.

Meinong, Alexius. 1960. “The Theory of Objects.” In: Realism and the Background of Phenomenology, edited by Roderick M. Chisholm. 76-117. Glencoe: Free Press.

Millar, Mark. (2003) 2014. Superman: Red Son. Burbank: DC Comics.

Pasniczek, Jacek. 2001. “The Meinongian Logic of Fiction.” In: The School of Alexius Meinong, edited by Liliana Albertazzi, Dale Jacquette, and Roberto Poli. 457-476. Aldershot: Ashgate.

Perszyk, Kenneth J. 1993. Nonexistent Objects: Meinong and Contemporary Philososphy. Dordrecht: Kluwer Academic Publishers.

Russell, Bertrand. 1973. Essays in Analysis. London: George Allen & Unwin Ltd.

—. (1912) 1997. The Problems of Philosophy. Oxford: Oxford University Press.

Parsons, Terence. 1980. Nonexistent Objects. New Haven: Yale University Press.

Ryan, Marie-Laure. 1991. Possible Worlds, Artificial Intelligence, and Narrative Theory. Bloomington: Indiana University Press.

Smith, Murray. 1995. Engaging Characters: Fiction, Emotion and the Cinema. Oxford: Clarendon Press.

Zeman, J. Jay. 1983. “Peirce on Abstraction.” In: The Relevance of Charles Peirce, edited by Eugene Freeman. 293-311. La Salle: Monist Library of Philosophy.

الأفلام والمسلسلات

Dracula 2000. Directed by Patrick Lussier. 2000. Toronto, CA: eOne Films, 2013. DVD.

Elementary: Season 1. Directed by John Polson et al. 2012-2013. Los Angeles, USA: Paramount Pictures Home Entertainment, 2013. DVD.

His Girl Friday. Directed by Howard Hawks. 1940. Bridgeport, USA: American Pop Classics, 2012. DVD.

Sherlock: The Abominable Bride. Directed by Douglas Mackinnon. 2016. London, UK: BBC Home Entertainment, 2016. Blu-ray.

Sherlock: His Last Vow. Directed by Nick Hurran. 2014. London, UK: BBC Home Entertainment, 2014. Blu-ray.

الكاتب

جوليان لابوانت طالب دكتوراه في جامعة كونكورديا. وقد قدّم عمله مؤخّرًا في مؤتمر دراسات الشّاشة «Screen Studies Conference» (2014)، ومؤتمر أوديني السّينمائيّ الدّوليّ «Udine International Film Conference» (2015)، كما قدّمه في جامعة مورييال. كذلك، كتب في مجلّة فيلم كورتيرلي «Film Quarterly»، والمجلّة الكنديّة للدّراسات السّينمائيّة «The Canadian Journal of Film Studies»، ومجلّة ميز أو بوان «Mise au Point». فضلًا عن ذلك، كتب فصلًا في كتاب إرث جان لوك غودار «The Legacies of Jean-Luc Godard» (WLU Press, 2014). تقترح أطروحته للدّكتوراه نظريّةً في التّمثيل السّينمائيّ التي تحدّد العلاقة بين التّمثيل، والشّعور، والجماليّات، معتمدةّ على الفلسفة التّحليليّة/ المنطق (فريغيه، راسل) والوضعيّة المنطقيّة (كارناب)، وورثتها (غودمان، تشومسكي)، فيما تتناول أيضًا نظريّة الفيلم الكلاسيكيّة (أرنهايم، بازين)، والأوبوياز «Opojaz» (شكلوفسكي)، والنّظريّة الإدراكيّة الحديثة للأفلام، و/أو نظريّات الانفعال/ الشّعور. ويأمل متابعة دراسة ما بعد الدكتوراه عن تمثيلات شيرلوك هولمز، حيث يركّز فيها على نظريّات العقلانيّة، والاعتقاد، وبناء العوالم.

المنشورات ذات الصلة

featured
Sart
Sart
·17-12-2023

نظرية الألوان في الفن

featured
Sart
Sart
·23-01-2024

ما الغاية من الفن؟

featured
Sart
Sart
·21-04-2024

لماذا تُعد لوحات مونيه لزنابق الماء أيقونية للغاية

featured
Sart
Sart
·25-04-2024

هاسوي كاواسي: الفنان الذي ألهم استوديو جيبلي