ترجمة: آية علي
احتلت الزهور منذ الأزل مكانة مركزية في قلوب الفنانين حول العالم؛ فجمالها العذب وألوانها الأخاذة ليست رمزية وحسب، بل تعبر أيضًا عن روعة العناصر الطبيعية وجماليتها. وقد تنوعت أصناف الزهور وتباينت تباينًا شاسعًا، ما دفع العديد من الفنانين لمحاولة تجسيد جوهرها من خلال الرسم.
وجاب بعض أبرز الفنانين عبر التاريخ البلاد طولًا وعرضًا للبحث عن أزهار نادرة ومفعمة بالحياة، بهدف رسمها ومشاركتها مع الآخرين الذين قد لا تتاح لهم قط فرصة رؤيتها على الطبيعة. وهناك العديد من الرسامين المرموقين الذين عُرفوا بشغفهم بإنتاج أعمال فنية تركز على الزهور.
سوف نلقي نظرة في هذا المقال على عشرة من أروع لوحات الزهور وأكثرها شهرة وإثارة على الإطلاق. كما سننظر في النحو الذي اختار به هؤلاء الفنانين تصوير الأزهار في لوحاتهم، والأسباب التي دفعتهم لذلك.
1- طبيعة صامتة لمزهرية مع اثني عشر عباد الشمس - فنسنت فان جوخ
أثار فنسنت فان جوخ انتباه العالم بفنه الفريد الذي يجسد الزهور بشكل لم يسبق لأحد أن فعله. وبالرغم من أنه عانى مجموعة من الأمراض العقلية والجسدية، إلا أنه أظهر قدرة استثنائية على نقل جوهر الجمال الطبيعي للزهور بصورة نقية وصافية لا مثيل لها في تاريخ الفن.
في عام 1888، رسم فان جوخ واحدة من أشهر لوحاته وأكثرها تأثيرا في تشكيل مسيرته الفنية، والتي تضمنت مزهرية بسيطة بداخلها باقة من عباد الشمس. تحمل اللوحة عنوان: طبيعة صامتة لمزهرية مع اثني عشر عباد الشمس، وتُعدُّ واحدة من أشهر لوحات الزهور على الإطلاق. رسم فان جوخ هذه اللوحة قبل عامين فقط من انتحاره في السابعة والثلاثين من العمر. اللوحة مغمورة بتدرُّجات الأصفر والبرتقالي، حيث تمتلئ المزهرية بباقة مورقة من زهور عباد الشمس. ويقال إن فان جوخ كان مفتونًا، على نحو خاص، بزهور عباد الشمس وبطريقة تفاعلها مع أشعة الشمس؛ حيث أنها تتبع الشمس طوال اليوم.
وقد قام في عام 1888 برسم عدة لوحات بعنوان «دوار الشمس»، وتظل هذه المجموعة من أهم أعماله وأثمنها على الإطلاق.
2- سلسلة زنابق الماء -كلود مونيه
خُلد ذكر كلود مونيه بوصفه إحدى الشخصيات الأكثر تأثيرًا في حركة الانطباعية التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تتميز العديد من أعماله بمشاهد مختلفة من المجتمع الفرنسي أو بورتريهات لأفراد، لكن يُحتفى به على نحو خاص بسبب سلسلة لوحاته التي ركزت بشكل كبير على الزهور بجمالها الطبيعي. بدأت السلسلة، المعروفة باسم «زنابق الماء«، في أواخر السبعينيات من القرن التاسع عشر، واستمرت على مدار العقود التالية. ورسم مونيه أكثر من مئة لوحة ضمن هذه السلسلة، وضمت كل لوحة منها تجسيدًا لزنابق الماء في حالتها الطبيعية بجانب بركة أو جدول ساكن.
تتجلى في لوحات هذه السلسلة قدرة مونيه على تجسيد جمال الطبيعة العذب والرقيق عبر منظوره الخاص. وقد عُرف عنه أنه كان يقضي ساعات كل يوم جالسًا بجوار البركة في منزله، مستمتعًا بالجمال المهيب للمياه ولجميع النباتات المحيطة. تتميز لوحاته العديدة والمختلفة ضمن سلسلة زنابق المياه بطيف واسع من الألوان وحالات الإضاءة المُتباينة التي تمنح الرائي لمحة عن افتتان مونيه بهذه الزهور الفريدة.
3- طبيعة ساكنة وأزهار - أمبروسيوس بوستشايرت الأكبر
بعد انحسار عصر النهضة بفترة وجيزة، برزت الحركة الثقافية الباروكية كحوض من الأزهار المزروعة حديثًا في أرجاء أوروبا المترامية. كان الفنان الباروكي المعروف باسم أمبروسيوس بوستشايرت الأكبر أحد الشخصيات المحورية في الفترة المبكرة، وكان يتمتع بمهارة مُنقطعة النظير في رسم المشاهد بصبغة واقعية.
اشتهر الرسام الهولندي بإنتاج العديد من الأعمال التي ركزت على الزهور، حيث يبرز في العديد منها باقة مفعمة بالحياة ونابضة بالألوان المختلفة تمتد على طاولة أو سطح مستو آخر. ومن بين العديد من أعماله المختلفة التي تناولت ثيمة الزهور، برزت إحداها على نحو خاص بين المؤرخين والنقاد الفنيين بوصفها واحدة من أشهر لوحات الزهور على الإطلاق. رسم بوستشايرت لوحته التي تحمل عنوان «حياة ساكنة وأزهار» عام 1614، وركزت على تنسيق غني ومبهج لأزهار القرنفل والورد والزئبق، وغيرها من الزهور، التي تتجانس لتشكل مشهدًا جذابًا يتكشف بفضل استخدامه البارع لتأثيرات الضوء. تتضمن اللوحة أيضًا حشرات مثل الفراشات واليعسوب التي تبرز الجمال الطبيعي للعمل.
4- السوسنة السوداء - جورجيا أوكيف
اشتهرت جورجيا أوكيف بقدرتها المُتميزة على تصوير الجمال الطبيعي في أغرب الأماكن والأشياء. لقد رسمت العديد من الأعمال المتنوعة التي تعطينا نظرة فاحصة على التصميم السلس والرشيق لشتى أنواع الزهور، والتي أثارت استياء العديد من النقاد الفنيين لأنها بدت كمحاكاة للبنية التشريحية للأعضاء التناسلية الأنثوية.
أما عن مسألة ما إذا كانت أوكيف قد فعلت هذا عن قصد أم لا فهي ما تزال غامضة بعض الشيء. واحدة من لوحاتها الأكثر تميزا، والتي تُعد من بين أشهر لوحات الزهور على الإطلاق، هي لوحة «زهرة السوسن السوداء». لا تتضمن هذه اللوحة التي أنجزت عام 1926 تركيبات لونية معقدة، ولكنها تلقت ثناء وتقديرا هائلين نظرا للتركيز المقصود، رغم بساطته، على التفاصيل والملامح المعقدة للزهرة نفسها.
5- الحياة الساكنة للأزهار - راشيل رويش
استخدم العديد من الفنانين، في قائمتنا هذه، الضوء والعتمة إلى جانب الألوان الزاهية للأزهار ذاتها لإنتاج أعمال تُبرز الطبيعة الجذابة لهذه النباتات الملونة. واحدة من هؤلاء الفنانين الذين استخدموا الضوء والعتمة بمهارة كبيرة هي راشيل رويش؛ فنانة هولندية كانت شخصية محورية في العصر الذهبي الهولندي الذي شهده التاريخ الهولندي في القرنين السابع عشر والثامن عشر. من أكثر أعمالها شهرة لوحة «الحياة الساكنة للأزهار» والتي اكتملت عام 1970. تتضمن هذه اللوحة مجموعة كبيرة ومتنوعة من الزهور الموجودة في غرفة مظلمة إلى حد ما. يبدو أن الضوء ينبعث من الجهة اليسرى للمشاهد، ويشع بطريقة تزيد من تعزيز الملامح والأشكال والمنحنيات المميزة لكل مجموعة متنوعة من الزهور.
عُرف عن رويش رسمها للعديد من اللوحات المشابهة، بل وكثيرًا ما أطلقت الاسم ذاته على العديد من اللوحات من هذا النوع. لقد ألهمت قدرتها الفذة على تجسيد الجمال الفريد لتنسيقات الزهور فنانين آخرين على مدار القرون التالية، فشرعوا في استكشاف سحر الطبيعة الذي تتمتع به الأزهار، وكيفية تجسيده ونقله للمشاهد.
6- زهور السوسن - فنسنت فان جوخ
رسم فان جوخ بعضًا من أشهر لوحاته خلال العاميين اللذين سبقا وفاته المأساوية. كانت اللوحات التي أنتجها خلال تلك الفترة مُفعمة بالجمال والحيوية والألوان الزاهية، والتي دفعت طُلاب الفنون لدراستها منذ ذلك الحين وحتى الآن، نظرًا لاستخدامه المثير للألوان المتباينة، ولنمط ضربات الفرشاة المميز فيها.
وفي عام 1989، أي قبل عام واحد فقط من وفاته، رسم فان جوخ لوحة يعتبرها كثيرون أشهر لوحاته حول الأزهار. تحمل لوحته عنوانا بسيطا «زهور السوسن»، وتستعرض حوضا غنيا بالأزهار المورقة والحيوية، مُلونة باللون الأزرق الملكي الناصع الذي يميز زهور السوسن. يمكن ملاحظة وجود زهرة سوسن بيضاء واحدة في يسار اللوحة، والتي يبدو أنها توزان تكوينها.
بوسعنا القول إن فان جوخ قد رسم أعظم لوحاته سحرا وجاذبية في العام الذي سبق وفاته؛ عندما كان لمرضه العقلي تأثير هائل على حياته العاطفية والجسدية. لقد كان يعتبر الرسم، على حد تعبيره للآخرين، وسيلة تمكنه من الحفاظ -بعض الشيء- على عقله من الجنون، واصفًا الرسم بأنه بمثابة «مانع الصواعق لمرضي».
7- باقة ورد - بيير أوغست رينوار
يُعتبر بيير أُوغست رينوار واحدَا من أكثرِ الرسامين تأثيرًا في الحركة الانطباعية. تستعرض الكثير مِن لوحاته عددًا من السياقات والمشاهد الاجتماعية الهادئة من المجتمع الفرنسي في تلك الفترة، حيث كان مولعًا بفكرة الراحة والتسلية. لكن كان للوحاته التي تُركز على الزهور نصيبٌ كبيرٌ كذلك من احترامِ أعظم النقاد الفنيين حول العالم. رُسمت لوحته «باقة ورد» حوالي عام 1912، وفيها رُسمت المزهرية ساطعة الألوان والزهور بضربات الفرشاة الواسعة التي تميز رينوار، والتي تبدو وكأنها تبث الحياة في لوحاته.
8- أزهار الليلك في نافذة - ماري كاسات
تُعتبر ماري كاسات واحدة من أكثر نساء الحركة الانطباعية غزارة في الانتاج، وقد انتجت مجموعة من أعظم ما رُسم حول الأزهار والطبيعة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. تحمل اللوحة عنوان «أزهار الليلك في نافذة» وتستعرض مستوى مُذهلًا من الواقعية التي لم يتمكن من محاكاتها في الفترة الانطباعية سوى قلة قليلة من الفنانين.
تُعد اللوحة التي انتجت عام 1879 واحدة من مجموعتها المحدودة من اللوحات التي تغلب عليها ثيمة الحياة الساكنة، لكنها تبرز كواحدة من أشهر أعمالها على الإطلاق في مسيرتها المهنية العريقة.
9- مزهرية ورود - مارغريثا هافرمان
كانت مارغريثا هافرمان فنانةً هولندية كرست مُعظم حياتها في رسم أعمال موضوعها الزهور. تمتعت بمسيرة مهنية عامرة كفنانة، في وقت لم يكن يُسمح فيه للنساء بالرسم أو ممارسة أي شكل آخر من أشكال التعبير في هولندا أو أي مكان آخر في أوروبا.
كانت أكثر لوحات الزهور التي رسمتها شهرة تحمل العنوان البسيط «مزهرية ورود». رُسمت هذه اللوحة عام 1716، وجسدت باقة ضخمة ونابضة بالحياة من أزهار متنوعة تشمل القرنفل والورد والعنب ومجموعة متنوعة أخرى من الأزهار الجميلة. رُسمت الباقة والمزهرية ببراعة فائقة، وزاد من جمالها العتمة الطاغية في الخلفية، يتخللها الضوء من الجهة اليسرى للوحة. لم تُوقع الفنانة سوى لوحتين فقط طوال مسيرتها الفنية؛ كانت هذه اللوحة واحدة منهما.
10- دراسة لزهور في إناء زجاجي، 1814 - جون كونستابل
كان جون كونستابل أحد أكثر رسامي المناظر الطبيعية شُهرةً في إنجلترا خلال أوائل القرن التاسع عشر. وقد كرس حياته المهنية في رسم المناظر الطبيعية للمناطق التي اعتبرها موطنه لمعظم حياته، حيث شعر أن من واجبه تجسيد جمال الريف الإنجليزي المتميز.
كان رسمه للمناظر الطبيعية مُدهشًا، وتميز بمستوى استثنائي من الواقعية أشاد به النقاد والمؤرخين من جميع أنحاء العالم. واحدة من أشهر لوحاته، والتي لا تقع في فئة المناظر الطبيعية، هي لوحة «دراسة لزهور في إناء زجاجي» (1814).
تميزت هذه اللوحة البسيطة والمفعمة في ذات الوقت بالألوان والحياة بالعديد من السمات التي كانت سببًا رئيسيا في جذب الأنظار إليه في بداية مسيرته الفنية والإشادة به. يضم العمل العديد من العناصر التي تمتعت بها معظم الأعمال الرومانسية، وأظهر قدرة كونستابل الفائقة على إنتاج لوحات غاية في الجمال لأي شيء قد يخطر على باله.