ترجمة: ريوف خالد
ليونارد دافنشي، الرجل الفيتروفي، ١٤٩٠
النسبة الذهبية -تسمى أيضًا التناسب الإلهي- هي معادلة سحرية حقيقية أغوت الأعين لقرون. كان لفتنة النسبة الذهبية سطوة على الرسامين والمعماريين والنحاتين والشعراء. للنسبة الذهبية قواعد متعددة وتظهر في معادلات عديدة، مثل متتالية فيبوناتشي، واللولب والمستطيل الذهبي. لكن كيف مُثلِّت النسبة الذهبية في الفن تحديدًا؟
النسبة الذهبية في الفن: وعد التناغم
غالبًا ما خُلط بين الاستطيقا والأبعاد المتناغمة والجمال على مر تاريخ الفن. النسبة الذهبية التي يرمز لها بحرف فاي « φ» هي النموذج الأمثل. يعتبر البعض هذه المعادلة الرياضية قاعدة الجمال الكونية. باستخدام أبعاد تعادل (x²=x+1)، تكون النسبة الذهبية في الفن علاقة متوازنة تفتتن بها عين العقل. أي بتحقيق نسبة دقيقة بين مختلف أجزاء العمل أو الصورة أو العنصر، وقيمة هذا الرقم هي: 1.61803398874989482045.
هل يبدو كل هذا غامضًا قليلًا؟ ثمة آلية بسيطة لتحقيق المستطيل الذهبي! ارسم خطًّا واضرب طول هذا الضلع بالرقم 1.618. سيعطيك (الخط الأول) العرض الصحيح، وستعطيك (نتيجة عملية الضرب) الطول الملائم. المستطيل الذهبي شكل هندسي استثنائي، ويمكن أن يُعاد انتاجه إلى الأبد. يمكن أن يقدم أي عمل فني تضمينًا لانهائيًا «a mise en abyme»[1] لمستطيلات ذهبية. ثمة حيلة أخرى تتحقق معها النسبة الذهبية، إذ لا بد في العمل أن يطابق ناتج جمع أقصر ضلعين طول الضلع الثالث، سيُظهر هذا الضلع الثالث حينها أبعاد النسبة الذهبية.
اللولب والمستطيل الذهبي
النسبة الذهبية والعين البشرية: علاقة حب طويلة الأمد
لا يمكننا أن نعرف تحديدًا متى ظهرت المعرفة بالنسبة الذهبية. بُنيت العديد من الأهرامات، وبالأخص أهرامات خوفو، باستخدام تناسب محسوب تقريبًا وفق النسبة الذهبية. لكن ليس لدينا تأكيد نصي يعود إلى تلك الحقبة. تمامًا مثل «البارثينون»، الذي عثرنا في عدة مواضع منه على النسبة الذهبية، ينطبق الأمر نفسه على المنحوتات الإغريقية الكلاسيكية، التي تتكرر النسبة الذهبية في أبعادها البشرية. على كل حال، من المعلوم أن إقليدس قد اكتشف النسبة الذهبية رسميًا حوالي ٣٠٠ قبل الميلاد. في القرن الثالث عشر اكتشف ليوناردو فيبوناتشي متتالية فيبوناتشي، بينما وضح كامبانوس أن نسبة إقليدس الذهبية عدد أصم [لا نسبي، لا عشري].
البارثينون، بين ٤٤٧ و٤٣٢ قبل الميلاد، أثينا
النسبة الذهبية في الفن: بعض النماذج الشهيرة
ليوناردو دافنشي، ملك النسبة الذهبية في الفن
يعد ليوناردو دافنشي بالتأكيد الرسام الأكثر تباهيًا بحبه للنسبة الذهبية. أدخل العالم والمخترع والنحات والموسيقي والفيلسوف والرسام ليوناردو دافنشي الرياضيات إلى الفن. بإبداعه لعمل «الرجل الفيتروفي» جسد ولعه بالنسبة الذهبية في الفن. هذا العمل بمثابة إجلال لأبعاد الجسد البشري، الذي اعتبره دافنشي مثاليًا. لاحقًا، رسم «الموناليزا»، إحدى أشهر لوحاته في العالم. كما لم يكن وجود النسبة الذهبية في وجه مادونا مفاجئًا.
ليونارد دافنشي، موناليزا، بين ١٥٠٣ و١٥٠٧
دالي
في عام ١٩٥٥، رسم دالي «طقس العشاء الأخير». يتضمن هذا العمل العظيم النسبة الذهبية على وجهين، إذ تتوافق أبعاد اللوحة مع النسبة الذهبية، كما يبرز شكل هندسي ضخم مهيمنًا بتناغم على خلفية المشهد.
دالي، طقس العشاء الأخير، ١٩٥٥
لو كوربوزييه
جعل المعماري الوحشي الشهير لو كوربوزييه النسبة الذهبية قاعدة أساسية لبنيانه. كان هذا ملحوظًا في مجمعه السكني المعروف «Cité radieuse»، في مارسيليا، فرنسا. علاوة على هذا، استخدم لو كوربوزييه النسبة الذهبية لتطوير مقياس الأبعاد «المودولور»، وقد استخدم هذا النظام لبناء مساكن أكثر تناغمًا وأسرع تنفيذًا مما سبق.
لو كوربوزييه، «Cité radieuse»، ١٩٥٢
في النهاية، فإن ظهور النسبة الذهبية في الفن أمر لا يمكن إنكاره كما أنها قد أسرت الفنانين على مر العصور. وقد أُقر بأن هذه المعادلة الرياضية ووعدها بالتناغم وبالأبعاد المتوازنة قاعدة جمال كونية. سيان أكان عبر المستطيلات الذهبية أو تكامل اللولب، تضفي النسبة الذهبية إحساسًا بالفتنة الجمالية على الأعمال الفنية. ويمكن أن يُرى تأثيرها في الروائع المعروفة مثل «الرجل الفيتروفي» و«الموناليزا» لدافنشي، بجانب تصاميم لو كوربوزييه المعمارية. رسخت جاذبية النسبة الذهبية الدائمة وعلاقتها التناغمية مع العين البشرية مكانتها باعتبارها أحد العناصر الجوهرية في مملكة الفن والتصميم، وما يزال حضورها الأخاذ يلهم الفنانين والمشاهدين على حد سواء، مما يقدم صلة أبدية بين الرياضيات والفنون البصرية.
[1] يُقصد به في الفن تضمين صورة داخل صورة داخل صورة وهكذا، كأنها انعكاسات لا نهائية بين مرآتين متقابلتين. قابل السيد إمام المصطلح الفرنسي «a mise en abyme» في الأدب بالإرصاد، مستعينًا بمصطلح قديم من فن البديع العربي، فيما اقترح محمد عناني «الانعكاسات النصية اللانهائية في الصورة وفي الدلالة»، وقابله عبد المجيد بن البحري بالتغوير «لما له من قرابة دلالية مع المصطلح الفرنسي، فضلًا عن التقارب المعجمي والصيغي.» وقابله آخرون بالتضمين الانعكاسي والتبئير والتقعير.