قيمة الفن: ما العناصر التي تُحدد قيمة الفن؟

single

بول سيزان، لاعبو الورق، 1892-1895

 

كيارا باستوني

ترجمة: حنين الرحيلي

 

إن تحديد قيمة الفن موضوع جدلي في عالم الفنون؛ وذلك لأن العناصر التي تُحدّد قيمة الفن كثيرة جدًا، وغالبًا ما تكون عناصر شخصية وليست تجريبية. وإدراك هذا المفهوم، في السوق الفني، يعد أمرًا أساسيًّا جدًا لكل من يأملُ أن يخطو خطوته الأولى فيه. فمما ينبغي إدراكه في هذا السياق (على سبيل المثال لا الحصر): ما الذي يُحدد قيمة العمل الفني؟ وهل القيمة مرتبطة بالسعر وحسب؟ وهل تعكس القيمة رمزية الفن أم جودته المادية؟

لا شك أن العناصر، التي تحدد قيمة الفن، قد تغيرت عن الماضي. فقبل العصر الحديث، كان يمكن الإجابة عن هذا السؤال بكل سهولة؛ وذلك من خلال المادة المستخدمة في العمل، والرسالة التي يقدمها، وسمعة الفنان. 

وعلى الرغم من أن بعضًا من هذه العناصر ما يزال موجودًا حتى يومنا الحاضر، إلا أن عناصر أخرى جاءت لتكمِّلها. في هذه الأيام لك أن تتأمل العمل الفني المسمى: «الكوميدي» لماوريتسيو كاتيلان، الذي تصل قيمتها إلى ١٥٠,٠٠٠ دولار! وهو سعر يفوق تكلفة المواد المستخدمة في العمل، والتي لا تزيد عن موزة وشريط لاصق.

Comedian by Cattelan exemplifies the concept of value in art

ماوريتسيو كاتيلان، الكوميدي، 2019

 

العناصر التي تُحدد قيمة الفن

مع أن هذا التصنيف -مثل كل التصنيفات- تبسيطي، إلا أنه تصنيف مفيد للجوانب المختلفة التي تحدِّد قيمة العمل الفني، ويشتمل على:

  • القيمة الجوهرية للعمل الفني، أي المتعلقة بجودته الرمزية.

  • القيمة الاجتماعية للعمل الفني .

  • القيمة التجارية (أو السوقية) للعمل الفني.

القيمة الجوهرية للفن

لا يمكن تقدير القيمة الجوهرية للعمل الفني بالأرقام، وتعد أصعب ما يمكن تحديده؛ فهي قيمة شخصية وعاطفية للغاية، ومرتبطة بما يحاول العمل الفني إيصاله إلى متلقي، وبالأحاسيس التي تتأرجح بين البوح والكتمان. وأكثر من ذلك، تعتمد هذه المتغيرات على الخلفية الثقافية والتعليمية والتجارب الحياتية الشخصية، وهي إلى حد ما مستقلة عن المواد المستخدمة في العمل الفني. 

على سبيل المثال -إذا نحينا المفهوم الاستثماري لشراء العمل الفني جانبًا- لو كان العمل الفني المصنوع من الذهب، لا يستحثُّ أي مشاعر من جهتك؛ فإن قيمته الجوهرية المتدنية بالنسبة إليك لا تبرر سعره. وعلى كل كثرة الجدل حول معنى الشمولي للفن؛ فإنَّ تحديد القيمة الجوهرية أمر عائد للفرد بشكل كبير، وللأصالة والهالة المقدسة المحيطة بالفن.

 Painting by Mark Rothko titled 'Untitled Red, Black over Red on Red'

مارك روثكو، أحمر بدون عنوان، أسود فوق أحمر على أحمر، 1964

 

القيمة الاجتماعية للفن

عنصر آخر، لقيمة العمل الفني، هو القيمة الاجتماعية؛ فالفن هو وسيلة للتواصل بلا شك، لكونه يوصلُ الأفكار والقيم والمشاعر والمفاهيم التي يختلف تلقيها من شخص إلى آخر، ومع ذلك تظل أفكارًا حيوية تهم الفرد والمجتمع. وحين يُنتج الفنان عمله الفني فإنه يشارك قصة وعاطفة وعناصر ثقافية، وفي اللحظة التي يتلقاه الجمهور فإنهم يدركونه ويتصورون قصصهم وعواطفهم وثقافاتهم. وأكثر من ذلك، تنبع قيمة الفن الاجتماعية من القدرة على جمع الأفراد على غاية التجربة المجتمعية.

القيمة التجارية للفن

العنصر الأساسي الثالث لقيمة الفن هو قيمة السوق، أو ببساطة: سعره. بعد المعطيات المذكورة آنفًا حول قيمة الفن الجوهرية والاجتماعية، لا بد أنه اتضح الآن أن سعر العمل الفني لا يُحدد كالسلع النفعية. في الواقع إن القيمة التجارية للعمل فني تُحدد بناءً على إجماع المجتمع، تمامًا مثل العُملة حين يكون الإجماع شرطًا لتحديد سعرها.

حين نتحدث عن الفن، هناك سوقين مختلفتين يحدث فيهما التفاوض والإجماع: السوق الأولية التي تُعبِّد الطريق للعمل فني من يد الفنان إلى مشتريه الأول، حيث يتحدد السعر أساسًا من الفنان نفسه والمشتري. والسوق الثانية حيث المراحل التالية للعمل فني، إذ يخضع سعرُ العمل الفني لقانون العرض والطلب.

Brillo boxes by Warhol is work of Pop Art with high commercial art value

آندي وارهول، بريلو بوكس، 1964

 

ما الذي يمنحُ الفن قيمته؟

كما ذكرنا فإن قيمة السوق أساسًا مبنية على صالات العرض والمزادات، والإجماع الذي تحدثنا عنه في هذا السياق هو المسؤول عن نشأة تاريخ تسعير القطع الفنية أو شهرة الفنان، وعن تسعير العمل الجديد أو المعاد بيعه.

وهناك عدةُ عوامل تحكم هذه العملية:

أحدها هو سياق إنتاج العمل الفني، حيث يمكن أن يكون له أهمية تاريخية أو معنى معين في تطور التاريخ. والآخر هو أصل العمل، أي تاريخ وخلفية مِلْكية العمل الفني حين دخل إلى السوق الثانية. فعلى سبيل المثال، إن كان يُعرف عن المالك السابق أنه جامع شهير للمقتنيات الفنية؛ لن تمر هذه المعلومة مرور الكرام بالتأكيد. وإن كان العمل الفني مملوكًا لمتحف؛ فهذا يُضفي قيمةً عظيمةً على العمل الفني، بقدر ما يجعله «خارج» السوق في كثير من الأحيان. وهذا أيضًا له تأثير على نُدرة العمل وعلى قانون العرض والطلب: كلما زاد عدد الأعمال المعروضة لفنان معين في المتاحف العامة، قلَّ عدد أعماله المتاحة للبيع؛ ومن ثُمَّ زادت قيمة الأعمال المعروضة للبيع.

عامل آخر هو أن السوق يأخذ في الاعتبار الظروف التي حُفظ بها العمل الفني، وذلك عائد إلى نظرة وتقييم خبراء الفن وتختلف بناءً على ذائقة كل حقبة. مثلًا في السابق كانت تجرى عمليات الترميم للعمل الفني على حساب الأصالة، بينما في يومنا الحاضر يُقلل هذا من قيمة العمل بدلًا من زيادتها.

من العوامل الأخرى العظمى التي يجدر معرفتها هي أصالةُ العمل التي تُقيَّم فنيًّا، وجودة إنتاجه التي تُقيَّم شخصيًّا. ولكن أزال نقاد الفن المُتمكنين النظرة الذاتية من الحكم باستخدام عوامل من قبيل وضوح التنفيذ وإتقان الوسائل المستخدمة، بشكل مستقل عن الأسلوب والعصر. وهناك أيضًا حجم العمل والأدوات المستعملة، رغم أن هذه العوامل قد تكون ثانوية في الأعمال المعاصرة. وأحيانًا يكون لموضوع العمل الفني تأثير على سعره، كالمواضيع النسائية التي تُباع في المتوسِّط أكثر من المواضيع الرجالية.

أخيرًا، يُقدِّر السوق الفنان الذي أنتج العمل الفني تقديرًا عظيمًا. فكون الفنان مجهولًا أو صاعدًا أو معروفًا؛ يُحدث فرقًا عظيمًا. والسعر يكون بناءً تاريخ معارض الفنان وتاريخ مبيعاته ومستواه الاحترافي. وفي العموم، كلما ارتفع الطلب على الفنان؛ ارتفعت أسعار أعماله في السوق.

المنشورات ذات الصلة

featured
Sart
Sart
·17-12-2023

شاعريّة المكان بين التّجلّي والتّخلّي: واقعيّة طه حسين وسرياليّة سلفادور دالي

featured
Sart
Sart
·20-12-2023

البراديغم الجماليّ

featured
Sart
Sart
·17-01-2024

سارت: أفقٌ رحب للفنون والجماليّات

featured
Sart
Sart
·23-01-2024

الفنّ التشكيلي الفلسطيني: ثوب كنعاني يحاول الاحتلال تمزيقه