سارة الراجحي
يبدو أن الفنانة عيدة الزهراني توافق سيغموند فرويد في أنّنا لا ننسى أبدًا، وأن كل ما يعترضنا مدفونٌ في أركيولوجيا النفس؛ فهي ترى أن ما نمر به لا يُشطب من دواخلنا، ولا يمحوه مُضي الحياة وتغيرها، بل هو آثار باقية، وأن هذه الآثار والذكريات الغافية تحضر دومًا بطريقة ما.. تحضر بطرق متعددة. وقد عبّرت عن ذلك بمجموعة أعمالها التجريدية التي حملت عنوان «بقاء»، والتي تمازجت فيها الألوان، بالإضافة إلى الخطوط الحادة والبقع المتقرحة، وكأنها تلك الشقوق والندوب التي تكبدتها الذات واستثارها التذكر.
إن مجموعة «بقاء» شكل من الأشكال التعبيرية عن الإحساس والوجدان البشري عند تعامله مع الذاكرة، يتلقاها المشاهد ويدركها ويشعر برؤية الفنانة فيها، كونه يحمل الإحساس الخام والتجربة المشتركة، وإن لم يتمكّن أن يبدع ذات الرؤية أو يصقلها في شكل فنّي. والفن في تعاطيه هذا مع الذاكرة - حتى وإن كانت الذكريات المستحضرة مؤلمة وحزينة- يجعل الفنّان يتعامل معها بشكل مختلف؛ إذ سينظر إليها بضوءٍ جديد، يعيد علاقته بالماضي، ويصبّ شيئًا من الحاضر فيه، فتنكشف معانٍ جديدة وإمكاناتٍ لا نهائية، أي إنها وإن تكررت أمامه إلا إنها تتكرر بطريقة تسمح للذات بالانفلات من التكرار في الوقت ذاته.
كما أنّ دأْب الفنّ عمومًا - معنا جميعًا - هو إضفاءُ ضربٍ من اللذة الجمالية على أشد المواضيع اعتيادية أو حزنًا أو تشابكًا، ومنحنا التسرية أثناء تأمل تجاربنا البشرية، وترميم ذواتنا عبر الانكشاف على آلامنا وأحزاننا؛ تمهيدًا للتحرّر منها أو التصالح معها، وكذلك الامتنان للعادي والسعيد في حياتنا، ومحاولة استشعاره والقبض عليه حتى لا يكون منذورًا للإغفال.
عيدة الزهراني فنانة سعودية تميل لفكرة تخليد الآثار جماليًّا، وإعادة سرد ذكرياتها من خلال فنّها التشكيلي. تميزت مسيرتها الفنية بسنوات حافلة بالإلهام، اعتمدت فيها على عفويتها باختيار الألوان. اقتُنيت أعمالها محليًا ودوليًّا، وشاركت الفنانة خلال مسيرتها في مجموعة من المعارض، والتي من أهمها: معرض «شارة الفني» بجدة ٢٠٢١، معرض «تحت٣٢» - مونو جاليري ٢٠٢٠، معرض «ارتقاء وبريق» - جاليري ليفت ٢٠٢١، والمعرض الشخصي الأول «بقاء» - نايلا جاليري ٢٠٢١.