سارة إبراهيم، Soft Machines / Far Away Engines، 2021، فيلم ذو 8 قنوات للإسقاط؛ منظر تركيبي من فيلم Feeling The Stones، 2021-2022 ، مؤسسة بينالي الدرعية ، الرياض ، برعاية فيليب تيناري وجدان رضا ، 2022.
فوز الجميل
تُعدّ الفنون الأدائية مرآة للروح، تعكس أعمق رغبات ومخاوف وآمال النفس البشرية، وتعمل كمصدر للتفكير والتأمّل والتنفيس، من خلال الحركة والصوت والإيماءة. فنّ الأداء أيضًا هو شكل من أشكال التعبير التواصلي الذي يتحدى ويدفع حدود المعايير التقليدية والاتفاقيات المجتمعية في قدرتها على جمع الناس معًا في تجارب مشتركة؛ إذ تتمتع الفنون الأدائية بالقدرة على كسر الحواجز الثقافية والاجتماعية وتعزيز الوحدة لساعات قصيرة أثناء تجربة مشاهدتها وحضورها، وهي تحرّض على استكشاف وفضح تعقيدات النفس البشرية، وعلى التقاط واستحضار مجموعة كامنة من المشاعر الإنسانية، مما يخلق علاقة قوية بين المؤدي والجمهور.
ويكمن جمال الفنون الأدائية في قدرتها الأخّاذة على جمع الناس معًا في تجربة عاطفية مشتركة واحدة، وذلك من خلال استعمال وسائط أدائية مشتركة كالجسد لرواية القصص وللتعبير والإبداع من خلاله. تتنوع أيضًا الطرق الفنية لإخراج هذه الأعمال سواء كان ذلك من خلال الرسم، الموسيقى، الرقص، الأداء المسرحي، أو الكلمات الشعرية.
من الفنانين السعوديين المعاصرين الذين لهم تجربة مميزة في هذا المجال الفنانة السعودية ساره إبراهيم، التي تستخدم الفنون الأدائية لاستكشاف العوالم الخفية للتجسيد والمادية، وتستكشف أعمالها تفاعلات وإمكانيات الجسد اللامتناهية في الفضاء العام عبر الاستجلاء العميق لكل آفاق الحركة. وهي تستلهم أعمالها من أبحاثها في الأنثروبولوجيا الطبية والصحة العامة، فضلاً عن تجاربها الحياتية الشخصية. وتجربتها في الفنون الأدائية تؤكد على أن فنّ الأداء لا يزال شكلاً جديدًا نسبيًا في المملكة العربية السعودية. ولعلّ الافتقار إلى وجود مساحات واستوديوهات متخصصة للتجربة والنمو يمثّل أحد التحديات التي تواجه هذا النوع من الفنّ، لكنه في الآن ذاته ربما قد يمثل فرصة مناسبة لخلق ما هو جديد وفريد من نوعه في الفنون السعودية، كما أشارت في أحد لقاءاتها.
من خلال التحليل العميق لأعمالها نجد أنّ ممارستها البحثية الفنية تستقصي العلاقة بين النسيج والذاكرة، بالإضافة إلى مظاهر ومكامن الحزن في الجسد من جهة أخرى. وفي الأعمال Soft Machines / Far Away Engines (2021) و Bodyland (2021) لساره إبراهيم نرى كيف أن فنّ الأداء الذي تقدمه يملك القدرة على إثارة المشاعر الداخلية العميقة للألم الذي عانت منه الفنانة بعد فقد والدتها، ونرى كيف أن مثل هذا الفن لديه القدرة أيضًا على تحريك الخيال وإعطاء لمحة فنية عميقة عن تجارب داخلية ووجهة نظر مختلفة. يشعر المشاهد لأعمال الفنانة بأنه يتنقل إلى عوالم جديدة، ويشعر باندفاع الأدرينالين، وقد يتأثّر الرائي بالبكاء في غضون لحظات قليلة أثناء الحضور. وأعمالها هذه تذكّرنا بأعمال «يوكو أونو» الفنانة الأدائية المفاهيمية الرائدة في الستينيات الميلادية، صاحبة «Cut Piece» عام 1964، وهو عبارة عن عمل فني أدائي تجلس فيه أونو على خشبة المسرح مرتدية لباسًا بسيطًا وتدعو الجمهور للصعود وقصّ قطعة من ملابسها بالمقص، للفت النظر والتعليق على مواضيع الضعف الإنساني وديناميكيات القوة والسلطة في المجال العام والعلاقة بين الفنان المؤدي والجمهور الحاضر.
بالنسبة لفنّاني الأداء، تُعدّ هذه الأعمال الفنية بمثابة فرصة للتعبير عن فنهم والتواصل مع جمهورهم بطريقة عميقة وذات مغزى. سواء كنت تشاهد أو تشارك، تقدم لنا الفنون الأدائية ملاذًا من الحياة اليومية، وفرصة للتواصل مع الآخرين، وتذكيرًا بالإمكانيات اللانهائية للروح البشرية.
ساره إبراهيم فنانة سعودية ومصممة رقص، درست في معهد سان فرانسيسكو للرقص وحصلت على شهادة البكالوريوس من كلية لندن للرقص المعاصر في عام 2016. بدأت أبحاثها الفنية التي تنظر إلى الجسم من خلال العدسات البيولوجية والفسيولوجية والتجريبية خلال دراستها في جامعة أوريغون للصحة والعلوم. تخصصت في الأنثروبولوجيا الطبية والصحة العامة وحصلت على شهادتها في الطب عام 2017.
نُشرت هذه المقالة بالتعاون مع